تتوالى جهود الإدارة الأميركية للتضييق بكل السُبل على الحكومة الفنزويلية، متجاهلةً الأزمة التي فرضها فيروس «كورونا» على دول العالم كافة. ففي حين تحاول فنزويلا، بإدارة الرئيس نيكولاس مادورو، تصويب جهودها لمحاربة الوباء، والتخفيف من آثاره على الإنسان والمجتمع والاقتصاد، تستغل واشنطن أي فرصة لخنق مادورو سياسياً، بدءاً من العقوبات على شركات النفط التي تتعامل معها كاراكاس، وليس انتهاءً بتوجيه اتهامات للرئيس الفنزويلي شخصياً وكبار مسؤولي حكومته متعلقة بتجارة المخدرات. واحدة من نتائج العقوبات، إعلان عملاق النفط الروسي «روسنفت»، أمس، إنهاء عملياته في فنزويلا وبيع الأصول المرتبطة بنشاطه إلى شركة تملكها الحكومة الروسية، لم يُكشف عن اسمها. تأتي هذه الخطوة، بعد فرض إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب عقوبات على وِحدتين لـ«روسنفت» مقرّهما في سويسرا، هما «روسنفت تريدينغ»، و«تي إن كيه تريدينغ إنترناشونال»، اتهمتهما واشنطن بأنّهما «وفّرتا للشركة الفنزويلية شريان حياة من خلال العمل كوسيط لبيع خامها».
استثمرت «روسنفت»، بحسب وكالة «رويترز»، 9 مليارات دولار في مشروعات نفط فنزويلية منذ عام 2010، بما جعلها على مرّ السنوات من أكبر المستثمرين النفطيين في فنزويلا، أكان في التنقيب أم في إنتاج النفط. لا معلومات وافية بعد عن الخروج من الساحة الفنزويلية، ولكن قد يكون له أبعاد عديدة؛ البُعد الأول اقتصادي، يتعلّق بمصالح «روسنفت»، بتجنّب المزيد من العقوبات عليها، ولا سيّما أنّ الإدارة الأميركية تبدو سائرة في اتجاه مزيد من الضغط على الدولة اللاتينية. وقد أُعلن عن الخطوة، في وقتٍ تتراجع فيه أسعار النفط إلى حوالى 25 دولاراً للبرميل على مشروعات «روسنفت» المشتركة مع شركة النفط الوطنية الفنزويلية، «بي دي في اس ايه».
أما البُعد الثاني، فهو سياسي، وقد سارع إلى التعبير عنه سفير روسيا لدى فنزويلا، سيرغي ميليك باغداساروف، بتغريدةٍ على «تويتر»: «لا داعي للقلق! الأمر يتعلّق بنقل أصول روسنفت مباشرةً إلى الحكومة الروسية». وفي الوقت نفسه، لم يتم إبلاغ أي من موظفي الشركة النفطية في كاراكس بأي تغييرات، ما يدل على «أنّ العمليات قد تستمر كالمعتاد»، كما جاء في صحيفة «نيويورك تايمز».
يُمكن في هذا الإطار اعتبار «نقل الملكية» تغلغلاً روسياً إضافياً في فنزويلا، ودعماً مُباشراً للحليف مادورو في التصدي لقرارات التضييق الأميركية، فإنّ أي عقوبات أميركية في المستقبل على عمليات النفط التي تُسيطر عليها روسيا في فنزويلا، «ستُعتبر استهدافاً للحكومة الروسية مباشرة»، بحسب «رويترز»، ما قد ينقل المعركة بين كاراكاس وواشنطن إلى معركة مباشرة بين الأخيرة وموسكو. فالانسحاب من فنزويلا، وتمرير الأصول إلى كيان مملوك لموسكو رسمياً، يعني أن «روسنفت» نقلت المخاطر المتعلقة بعملياتها الفنزويلية إلى الحكومة الروسية.
لم يتبلّغ موظفو «روسنفت» في كاراكس بأي تغييرات بشأن عملهم


من جهة أخرى، وبعد اتهام الولايات المتحدة، الخميس الماضي، مادورو والعديد من المقرّبين منه بـ«الإرهاب المرتبط بالمخدرات»، وذلك في سياق جهودها لإقصاء مادورو، خليفة الراحل هوغو تشافيز المناهض الكبير «للامبريالية الأميركية الشمالية»، أعلن القضاء الكولومبي أمس أنّ الجنرال الفنزويلي المتقاعد، كليفر ألكالا، الذي شملته التهمة والمُعارض لمادورو وأبدى دعمه للمعارض خوان غوايدو، قد سلّم نفسه للسلطات الأميركية في كولومبيا. وقال مكتب النائب العام للأمة، في السلطة القضائية الكولومبية، في بيان، إنه «أُبلغ بأنّ كليفر ألكالا كوردونيس سلّم نفسه لسلطات الولايات المتحدة». وأضافت النيابة العامة أنه «لم يكن هنا مذكرة توقيف أو طلب تسليم بحقه عند تسليم نفسه». وعن تفاصيل العملية، ذكرت صحيفة «إل تييمبو» في بوغوتا، قبل ذلك، أنّ العسكري السابق تقدّم الجمعة (الماضي) إلى عناصر استخبارات كولومبيين وسلم نفسه إليهم، فقاموا بدورهم بتسليمه إلى السلطات الأميركية. ونُقل الجنرال المتقاعد الذي كان يقيم في مدينة بارانكيلا شمال كولومبيا، منذ سنتين، إلى نيويورك برحلة حصلت على موافقة خاصة في ظل العزل المفروض منذ يوم الأربعاء في كولومبيا بسبب انتشار فيروس «كورونا». من جهته، قال الكالا (58 عاماً) في تسجيل فيديو وضعه على حسابه على تطبيق «انستغرام» يوم الجمعة: «عائلتي، أريد أن أودّعكم لبعض الوقت، أواجه مسؤوليتي عن أعمالي بصدق».
وفي وقتٍ سابق، اعتبرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أنّ الرئيس الأميركي، ومن خلال تهمة المخدرات التي وجّهها لمادورو، فإنه «يعرقل أي عملية انتقالية أو مفاوضات سياسية في فنزويلا»، مشيرة إلى أنها حصلت على تقارير تُظهر أنّ حجم تجارة المخدرات من كولومبيا والهندوراس وغواتيمالا أكبر بكثير من تلك الموجودة في فنزويلا. وفي مقالٍ نشرته أول من أمس، أشارت الصحيفة إلى خلفيات الاتهامات الأميركية التي تأتي في سياق ضغوط «المتشددين في المعارضة الفنزويلية والأميركيين من أصول لاتينية في فلوريدا لتكرار ما حصل في عهد الرئيس الأميركي جورج بوش في ما يتعلق ببنما»، مستدركة بالقول، إن «الإدارة الحالية ليس لديها رغبة في التدخل العسكري في فنزويلا، ويبدو الأمر بالنسبة إليها مرتبطاً بتكتيك للضغط على كراكاس بعد أن فشلت كل محاولاتها لإحداث انشقاقات داخل نظام الرئيس الفنزويلي». وترى الصحيفة أنّ رضوخ واشنطن لهذه الضغوط «لا تساعد، بل تعيق الجهود المبذولة لزيادة الضغط الداخلي على مادورو للدخول في مفاوضات».
إلى ذلك، وفي سياق خطط الحكومة الصينية لمساعدة الدول التي ضربها «كورونا»، وصلت عشرات الأطنان من المساعدات، بما فيها أجهزة تنفّس وخمسة ملايين كمامة، إلى فنزويلا على متن طائرة أقلعت أمس السبت من الصين. ومن بين الأطنان الـ55 من المعدّات والأدوية التي وصلت إلى مطار قريب من كراكاس، هناك 500 ألف جهاز لأخذ عيّنات سريعة، هي الأولى من نوعها التي تصل إلى فنزويلا، وفق ما قالت نائبة الرئيس الفنزويلي ديلسي رودريغيز، التي توجّهت إلى المطار لتسلّم الشحنة مع السفير الصيني، لي باورونغ. وتشمل الشحنة أيضاً أجهزة تنفّس اصطناعية و5 ملايين كمامة و70 ألف ميزان، فضلاً عن 30 ألف وحدة من مادّة «الكلوروكين» التي باتت في صلب نقاش بين الخبراء، الذين يوصي بعضهم به، بينما يحذّر آخرون من مغبّة استخدامها في معالجة المصابين بالفيروس.