كتب الزعيم السابق لحركة «فايف ستار» الإيطالية بيبي غريلو، على مدونته: «درسٌ آخر يأتي من الصين، خلال هذه الأيام التي تواجه فيها إيطاليا صعوبات كبيرة، تضامن مع رسائل، مساعدات، معدات طبية، وأطباء... كما يقول أحد أمثالنا: حبّ الصديق هو حبّ للأبد، فقد وُلد ليكون صديقاً في المحن». ترافق كلام غريلو، مع احتفاء إيطالي على وسائل التواصل الاجتماعي بعد وصول المساعدات الصينية ووفد طبي لمساعدة الشعب الإيطالي، ولا سيّما بعد غياب مساعدات الاتحاد الأوروبي، ورفض دول منه تقديم المواد التي تحتاج إليها إيطاليا. وأعرب رئيس الصليب الأحمر الإيطالي فرانشيسكو روكا، عن تقديره للخبراء الصينيين الذين اختاروا «بعد عملهم الشاقّ في الصفوف الأمامية لأكثر من شهر، مواصلة العمل وتحمّل عناء السفر إلى إيطاليا لتقديم المساعدة»، حسب وكالة «شينخوا» الصينية. من جهته، أشار السفير الصيني في روما لي جون هوا، إلى أنّ الدعم الصيني، هو مثال يُبرز أهمية رؤية مجتمع ذي مصير مشترك للبشرية، مضيفاً أنّ «أعضاء الفريق هم أبطال على طريق محفوف بالمخاطر».
تنتقل الصين من مرحلة المواجهة المباشرة مع «كورونا» إلى مساعدة الدول الأخرى، ولا سيما بعد احتوائها للفيروس وانخفاض أعداد المصابين، في وقت يبدو «الغرب» غارقاً منذ ثلاثة أشهر في توجيه الاتهامات إلى بكين وتحميلها مسؤولية انتشار الفيروس وإخفاء الأعداد الحقيقية للمُصابين. وتثبت الصين، المصنّفة عالمياً من دول العالم الثاني، نجاحها في السيطرة على الفيروس، مسجّلة اليوم الأحد، أربع حالات جديدة فقط في ووهان، المدينة التي عُرف فيها المرض لأول مرّة، بعدما كانت تُسجّل آلاف الإصابات كمعدّل يومي في بداية الانتشار.

«مصير مشترك»
«مصير مشترك للبشرية» هي مبادرة صينية تقضي بمساعدة الدول التي تحتاج إلى الدعم. هذه المبادرة أتت على لسان الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي أعلن أنّ بلاده «تدعم الاتحاد الأوروبي بحزم في حربه ضدّ تفشّي فيروس كوفيد- 19، مؤكّداً أنّ «الوحدة هي القوة وأنّ الصين مستعدة لتوفير يد العون والمساعدة للاتحاد الأوروبي على تخطّي تفشّي الفيروس في وقت مبكر».
إيطاليا، أكثر دول الاتحاد الأوروبي تضرراً بالفيروس التي سجّلت حتّى اليوم أكثر من 17 ألف إصابة، كانت أول الدول التي بدأت العمل الوطيد مع الصين في إطار مواجهتها «كورونا». يوم 12 آذار/ مارس الماضي، استقبلت روما فريقاً من الخبراء الصينيين، الذي وصل برفقة إمدادات طبية عاجلة وسط ترحيب شعبي ورسمي إيطالي. أما في إسبانيا، التي تُعتبر ثاني أكبر دولة تأثّراً بالفيروس في أوروبا، فقد أقدمت جمعية التجار الصينيين في برشلونة على تقديم مساعدات لبلدية عاصمة كتالونيا. وفي هذا السياق، كشفت صحيفة «ماركا» الإسبانية، أنّ الجمعية قدّمت مساعدات عبارة عن 3000 بذلة بيضاء خاصة بمواجهة «كورونا» و1000 قناع، فضلاً عن 40 صندوقاً للسائل المعقّم لليدين.
لم تكتفِ الصين بتقديم الدعم للدول التي تُسجّل ارتفاعاً في معدل الإصابات كإيطاليا وإسبانيا، بل توجهت أيضاً إلى البلدان ذات القدرة الطبية المحدودة لتبدأ برحلة المساعدة. العراق مثلاً، استقبل، يوم أمس السبت، مساعدات صينية وفريق طبي متخصّص. ووفق بيانٍ صدر عن وزارة الخارجية العراقية فإنّ «بغداد تسلمت المواد والأجهزة الطبّية التي بعثتها حكومة جمهوريّة الصين الشعبيّة لمواجهة كورونا، يرافِقها فريق طبّي مُتخصص للتدريب في مجال الوقاية من هذا الفيروس، وأساليب التعامل مع المُصابين به». ووصفت الوزارة الخطوة بأنها «مصداق عمليّ واضح يفصح عن حجم التعاون بين بغداد وبكين، وانعكاس لثقله السياسي والدبلوماسي مع دول العالم، وما وصلت إليه آفاق التعاون بين بغداد والصين». هذه المساعدات لم تكن الحزمة الأولى التي أرسلتها بكين إلى بغداد، إذ كان السفير الصيني لدى العراق، جانغ تاو قد أعلن في 2 آذار/مارس، تخصيص حكومة بلاده مُستلزمات الفحص المختبري لـ«كورونا»، عبر التوفير للعراق 50 ألف شريط للفحص الطبّي وبدلات للوقاية وكمامات ومستلزمات طبية أخرى تصل إلى 6 أطنان.
لبنان أيضاً كانت له حصّة من المساعدات الصينية، والتي أتت على شكل جهازين لقياسة درجة الحرارة لمطار بيروت الدولي. وأعلن السفير الصيني في بيروت، وانغ كيجان، عن هذه المساعدات عبر حسابه على «فايسبوك» عبر صور تبيّن المعدات، وكتب: «تبرعات جديدة من الشركات الصينية إلى لبنان تعبيراً عن الصداقة والتضامن والمساعدة هي عبارة عن جهازين لقياس الحرارة». وفي مؤتمر صحافي بينه وبين وزير الصحة اللبناني حمد حسن، أعلن السفير الصيني «تقديم دفعة جديدة من المُساعدات التي نعمل عليها حالياً مع وزارة الصحة. وندرس تقديم المزيد من المساعدات وفقاً لحاجة لبنان».
وفي تونس، التي سجّلت 13 إصابة مؤكدة بالفيروس معظمها لوافدين حديثاً من الخارج، فقد قرّرت الصين إرسال مساعدات طبية ولوجستية ضخمة ومهمة إليها، يُنتظر وصولها خلال الساعات المقبلة. وقد أعربت رئاسة الجمهورية التونسية في بيانٍ لها، مساء أمس السبت، عن امتنانها «لجمهورية الصين الشعبية لمبادرتها بتخصيص إمدادات طبية ومستلزمات صحية لمساعدة تونس على مكافحة كورونا، وتعزيز التدابير الوقائية لتفادي انتشاره». وأشار البيان إلى إعلان الصين اعتزامها إرسال فريق طبي ومعدات تتمثّل في كمامات ومواد معقمة ومطهرة إلى تونس.
وبالنسبة إلى إيران، أكّد الرئيس الصيني تقديم المساعدات، عبر رسالة وجّهها إلى نظيره الإيراني حسن روحاني، لمواجهة وباء «كورونا». ونقلت وكالة «شينخوا» الصينية عن شي جين بينغ قوله إن «بكين تتعهد بتقديم كل المساعدات الممكنة لإيران. البلدان شريكان استراتيجيان كاملان، فيما تتميز العلاقات بين شعبيهما بصداقة تقليدية»، لافتاً إلى أنّ إيران قدّمت «مساعدة ودعماً نزيهين ووديين للصين في مكافحتها الوباء». وأخبر الرئيس الصيني أنّ بلاده عرضت على إيران دفعة من الأدوية الخاصة بمكافحة الفيروس، وأرسلت إلى الجمهورية الإسلامية مجموعة خبراء متطوعين في مجال الصحة لمساعدتها في التعامل مع هذا الوباء، مشدّداً على استعداده لتكثيف التعاون مع إيران لردع الوباء».
إلى ذلك، قال السفير الصيني لدى الفيليبين، هوانغ شي ليان، اليوم الأحد، إنّ بلاده ستفعل ما في وسعها لمساعدة الفيليبين على مواجهة الفيروس، مضيفاً أنّ «أولّ دفعة من أدوات اختبار كورونا للفيليبين في الطريق».
وأعلن الرئيس الصيني في رسالة بعث بها أخيراً إلى الرئيس الكوري الجنوبي، مون جاي إن، أنّ الصين تقف على أهبّة الاستعداد للتعاون مع الجانب الكوري الجنوبي لكسب المعركة ضد الوباء في أقرب وقت، من أجل حماية حياة وصحة شعبي البلدين والعالم الأوسع. وفي وقتٍ سابق، أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية كنغ شوانغ، أنّ بلاده خصصت 1.1 مليون كمامة طبية وإمدادات صحية أخرى لكوريا الجنوبية، وستصل الدفعة الأولى منها قريباً.