أدّت صناعة النفط الصخري إلى تغيير الأنماط التقليدية للجغرافيا السياسية للطاقة
ومع انتهاء اجتماع تحالف «أوبك+» (تحالف بين «أوبك» ومنتجين مستقلين بقيادة موسكو) في فيينا الأسبوع الماضي، كانت الإجابة عن سؤال مَن يجب أن يتحمَّل اقتطاعات إضافية في إنتاج النفط لتعويض التراجع في الطلب بفعل انتشار «كورونا» واضحة: الولايات المتحدة. يرى المستشار السابق لشؤون الطاقة في إدارة باراك أوباما، جيسون بوردوف، أن «الدراما» السعودية ــــ الروسية ستضرّ مصداقية «منظمة الدول المصدرة للنفط» (أوبك) لسنوات مقبلة، فضلاً عن أنها ستقوّض صناعة النفط الصخري. وفي حين أن صدمات الأسعار السابقة كانت مدفوعةً بالعرض أو الطلب، فإن السوق لم تشهد مثيلاً للانهيار الحالي كونه ناتجاً من انخفاض قياسي في الطلب، وتراكم ضخم في العرض في الوقت نفسه. وفي مقالة بوردوف في «فورين بوليسي»، يضع سيناريوات لتداعيات حرب الأسعار القائمة، أبرزها:
أولاً، قرار الرياض تعويم سوق الطاقة مقامرة كبيرة، في حال كانت تنوي العودة إلى طاولة المفاوضات مع الروس. المشكلة عند السعودية هي أن روسيا أكثر مرونة تجاه انخفاض الأسعار ممَّا هي عليه بعدما ضاعفت احتياطاتها من العملات الصعبة، بينما تراجعت الوسيلة المالية السعودية منذ انهيار الأسعار عام 2014 (تستطيع موسكو ضبط موازنتها عند 42 دولاراً للبرميل الواحد، في حين تحتاج الرياض إلى ضعف هذا المبلغ لضبط موازنة 2020).
ثانياً، يهدّد انهيار تحالف «أوبك+» بإلحاق أضرار طويلة الأمد بـ«الكارتل». إذ واجهت «أوبك» بالفعل تحدياً جرّاء زيادة إنتاج النفط الصخري وانخفاض حصّتها من الإمدادات العالمية، في حين أن مزيجاً مِن العقوبات وغياب الاستقرار السياسي يؤثران في عدد من دول المنظمة، ما يعني أن عدداً قليلاً فقط من أعضائها (السعودية والإمارات والكويت) قادرون على خفض الإنتاج. لكل هذه الأسباب، رأت المملكة أن مشاركة دول غير أعضاء في «أوبك»، وخصوصاً روسيا، أمر حاسم لنجاح «أوبك +». مع ذلك، السماح لغير الأعضاء بإفساد صفقة وافقت عليها جميع دول المنظمة يمثِّل ضربة لمصداقية «الكارتل»، فيما يهدِّد احتمال انسحاب روسيا من اتفاق التعاون بتقويض قدرة «أوبك» على إدارة سوق النفط بفعّالية.
ثالثاً، تعدُّ صناعة النفط الصخري الأميركية الخاسر الأكبر من كل ما يحدث، لأن استمرار أسعار الخام في الولايات المتحدة عند حدود 30 دولاراً لمدّة طويلة سيؤدّي إلى إفلاس الكثير من الشركات. ونظراً إلى الانخفاض الحادّ في إمدادات النفط الصخري، ستبدأ مستويات الإنتاج في البلاد بالانخفاض أكثر (يُقدِّر الرئيس التنفيذي لشركة «بايونير نانتشرال ريسورسيز»، سكوت شيفيلد، انخفاض الإنتاج الأميركي بأكثر من مليون برميل يومياً، بحلول العام المقبل، إذا بقيت الأسعار على ما هي عليه. لكن حتى قبل انهيار اتفاق «أوبك+»، فإن تباطؤ نموّ إنتاج النفط الصخري كان متوقّعاً بفعل انخفاض الأسعار والقيود على رأس المال وسط تشكُّك المستثمرين في قطاع ضعيف الربحية).
رابعاً، تكشف حرب الأسعار أن ثورة النفط الصخري ليست نقطة قوة اقتصادية وجيوسياسية كبيرة لواشنطن فحسب، بل نقطة ضعف جديدة أيضاً. جزءٌ رئيس من الغضبة الروسية سببها السياسة الخارجية الأميركية، وخصوصاً العقوبات الأخيرة التي استهدفت مشروع خط أنابيب «السيل الشمالي 2» والذراع التجارية لشركة «روسنفت». لذلك، إن خصماً رئيساً للأميركيين يعتقد أن في إمكانه أن يتسبّب في ألم للأخيرة عبر دفع الأسعار إلى الانخفاض، يكشف كيف أن صناعة النفط الصخري أدّت إلى تغيير الأنماط التقليدية للجغرافيا السياسية للطاقة. وبالطريقة نفسها التي هدّدت فيها الصين بالانتقام من الرسوم الجمركية الأميركية، عبر فرض تعريفات خاصة بها على الصادرات الأميركية من الغاز الطبيعي والنفط، تكشف الخطوة الروسية أن «الهيمنة الأميركية على الطاقة» لها حدودها.
انتصارٌ للمستهلك
نظراً إلى تأثير أسعار البنزين في جيوب الناخبين الأميركيين، ربما ينتهي الأمر بالجهود الروسية إلى تعزيز حظوظ دونالد ترامب في عام الانتخابات هذا. إذ رحّب الرئيس الأميركي بانهيار الأسعار إلى «مستوى لم أجرؤ أبداً على تخيّله... مع انخفاض الأسعار في محطات البنزين، سيكون ذلك بمكانة تخفيض ضريبي، تخفيض ضريبي كبير». لكنّ أسعار البنزين المنخفضة، يقول خبير الطاقة الأميركي دانيال يرجين: «لا تفعل الكثير حين تكون المدارس مُغلقة، والناس يلغون جميع رحلاتهم، ويعملون من المنزل».
(الأخبار)