وسط احتفال حاشد في فندق «بيلكنت» في العاصمة التركية أنقرة، أمس، أعلن وزير الخارجية والمسؤول السابق عن الملف الاقتصادي في سلطة حزب «العدالة والتنمية» علي باباجان، إطلاق حزبه الجديد الذي حمل اسم حزب «الديمقراطية والتقدّم» (وسط تباين واسع في ترجمة كلمة atılım بين تقدّم ووثبة ونهضة وانطلاقة).بلغ عدد أعضاء المجلس التأسيسي للحزب تسعين شخصاً، بينهم 27 امرأة. ومن بين المؤسّسين 4 وزراء سابقين من حزب «العدالة والتنمية»، أبرزهم وزراء، العدل سعد الله أرغين، والصناعة نهاد أرغين، والعائلة وفا علية قواف، إضافة إلى باباجان. و7 نواب سابقين، منهم: إدريس شاهين، وحسن قرال، وأحمد أونسال، ومحمد أمين أكمين، وعبد الرحمن يتكين، وعبد الرحيم آقصوى، ونائب واحد حالي هو نائب إسطنبول مصطفى ينير أوغلو، الذي استقال قبل فترة قصيرة من حزب «العدالة والتنمية» (وبفضله يكون الحزب الجديد ممثلاً بالبرلمان ليكون الحزب رقم 11 فيه)، إلى رؤساء بلديات سابقين ومثقفين وصحافيين، منهم الصحافية غولاي غوك تورك، ومتين غورجان، والسفير السابق لدى ألمانيا عبد الرحمن بيلغيتش.
ولوحظ أن الأسماء المقرّبة من الرئيس السابق للجمهورية عبد الله غول، مثل: بشير أتالاي، وهاشم كيليتش، وجاندان قارلي تكين، لم ترد ضمن أعضاء المجلس التأسيسي. ويحكى أن بعض الخلافات التفصيلية قد ظهرت وحالت دون أن يكونوا من المؤسّسين. من دون أن يعني ذلك أن غول لا يؤيد الحزب الجديد، وهو الذي كان أعلن قبل أسابيع أنه لن يكون ضمن الحزب الجديد لكنه سيؤيده. غير أن عدم دخول مؤيديه الحزب يثير علامة استفهام تضعف الحزب الجديد.
يقع برنامج الحزب في 131 صفحة، موزّعاً على 14 عنواناً تتناول كل القضايا الداخلية والخارجية، مع تركيز على الشفافية والمساءلة واستقلالية السلطة القضائية والمشاركة والحريات والعدالة. ويدعو البرنامج إلى دستور جديد وفصل السلطات.
ودعا البرنامج إلى عودة اللاجئين السوريين في تركيا إلى بلادهم بصورة آمنة، ومواصلة الصراع مع «داعش» وحزب «العمّال الكردستاني» وجماعة فتح الله غولن. ووعد ببذل الجهود لحل المشكلات في سوريا والعراق، داعياً إلى تطبيق اتفاق أضنة والتعاون مع سوريا لمواجهة التهديدات الإرهابية الكامنة، وأن يكون انضمام تركيا للاتحاد الأوروبي أولوية في السياسة الخارجية مع التأكيد على تعزيز الأواصر مع حلف «شمال الأطلسي».
أعلن غول قبل أسابيع أنه لن يكون ضمن الحزب الجديد لكنه سيؤيده


قال باباجان إن الحزب يريد تركيا أكثر حرّية وخارج التنافس بين الأشخاص. وأضاف إنه يهدف أن يكون حزب كل تركيا. واعتبر أن مشكلة تركيا في الإدارة السيئة لمشكلاتها حيث يتحكّم الخوف بالبلاد ولا بد من التحرّر منه. ووعد بإيجاد حل للمشكلة الكردية وبتلبية مطالب العلويين.
وفي ردات فعل الأحزاب الأخرى على تأسيس حزب باباجان، يقول قيادي في حزب «العدالة والتنمية» إن قائمة المؤسّسين سيئة جداً. ومن بينهم مؤيدون لجماعة فتح الله غولن. والسياسة تخرج من الحاجة وليس من الأطماع. ورأى أن في اسم الحزب الجديد تقليداً لاسم «العدالة والتنمية». فالتنمية متلازمة مع التقدّم (أو النهضة) والديمقراطية متلازمة مع العدالة.
وقال أحد مسؤولي حزب «الحركة القومية» المتحالف مع حزب «العدالة والتنمية» إن حزب «الديمقراطية والتقدّم» لا يهدف إلى الوصول إلى السلطة بل إلحاق الضرر بـ«العدالة والتنمية». لقد تأسّس ليس للربح بل لتخسير الآخرين.
أما حزب «الشعب الجمهوري» المعارض، فيقول أحد قادته إن المجلس التأسيسي ضعيف ولكن هذا ليس مهماً. وهو يعتمد على كادرات جديدة بطموح إدارة تركيا.
ويرى مسؤول في حزب «الشعوب الديمقراطية» الكردي إن الحزب ينتمي إلى خط اليمين المحافظ الليبرالي. والمهم برنامج الحزب.
ويلفت أيضاً، يقول الكاتب إسلام أوزكان في صحيفة «غازيتيه دوار»، إلى ضعف تمثيل المناطق الكردية في الحزب الجديد في وقت تعتبر فيه المسألة الكردية الأكثر حساسية في تركيا. أيضاً يفتقد الحزب أي تمثيل للعلويين. فيما مصدر قوّته الأساسي هو الفريق الاقتصادي، وخصوصاً أن باباجان اشتهر بأنه العقل المدبّر للتنمية الاقتصادية لتركيا في عهد «العدالة والتنمية». وبالتالي نجاح باباجان السابق في الاقتصاد قد يعطي بعض الثقة لدى الناخب في الحزب الجديد.
يطرح تأسيس حزب جديد، يضاف إلى حزب «المستقبل» الذي أسّسه أحمد داود أوغلو، قبل 3 أشهر، قضية الانشقاقات في الحركة الإسلامية في تركيا. فإلى حزب «السعادة» تتمثّل الحركة الإسلامية السياسية في أحزاب ثلاثة كانت حزباً واحداً. وهو ما يؤشر إلى فشل الإسلام السياسي في تجديد نفسه ضمن الإطار الحزبي الواحد. وهو ما يحصل أيضاً في تونس مع استقالة عبد الحميد الجلاصي، نائب رئيس حركة «النهضة» التونسية، احتجاجاً على محاولات إقصاء منافسي راشد الغنوشي من الحركة. علماً أن عبدالله غول كان أعلن في مقابلة صحافية قبل فترة أن الإسلام السياسي في العالم الإسلامي وفي تركيا قد أفلس.
يبقى أن الهدف الأساسي لحزب «الديمقراطية والتقدّم» هو إعادة النظام البرلماني وإلغاء النظام الرئاسي وتعزيز الحرّيات، وهو ما يعني استهدافاً مباشراً لرجب طيب إردوغان، والعمل على إلحاق الهزيمة به في انتخابات الرئاسة المقبلة، سواء في موعدها عام 2023 أم قبل ذلك. وقبل تأسيس حزب باباجان كانت استطلاعات الرأي تعطي كلاً من حزبي داود أوغلو وباباجان من 5 إلى 10 في المئة، ولو افترضنا أن من سيصوّت لهما هو من قواعد حزب «العدالة والتنمية»، فإنها نسبة في حدها الأدنى كافية لإلحاق الهزيمة بإردوغان بشرط إضافي مصيري وهو اجتماع المعارضة على مرشح واحد مشترك يواجه إردوغان.