على الرغم من ابتعاد خطوات التصعيد النووية الإيرانية الخمس عن قيود الرقابة التي فرضها الاتفاق النووي، إلا أن ثمة أزمة تلوح في الأفق بين طهران والوكالة الدولية للطاقة الذرية، بعدما أعلنت الأخيرة رفض إيران الرد على أسئلتها حول أنشطة نووية سابقة في ثلاثة مواقع، ورفضها السماح لمفتشي الوكالة بدخول اثنين من هذه المواقع. وهو الأمر الذي أظهرت طهران عبر بيان بعثتها لدى الوكالة في فيينا تمسّكها به، فضلاً عن أنها وضعته في سياق قطع طريق إضفاء الشرعية على معلومات الوكالة التي أوجدت تلك الشكوك، مؤكدةً أن «موقف الوكالة قائم على معلومات إسرائيلية مزيفة». وفي حال تجاوب إيران معها، فإن ذلك قد يفتح الباب، وفق الباحث الإيراني صابر غل عنبري، على «إقرار إيراني بصحة تلك المزاعم»، وهذا بحسب قوله لـ«الأخبار» يتعارض «مع الإصرار الإيراني على نفي كل الاتهامات التي وجّهها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للبرنامج النووي الإيراني».في هذا السياق، يُذكر أن اتهامات نتنياهو لإيران بوجود أبعاد عسكرية لبرنامجها النووي لم تتوقّف منذ صعوده في المشهد السياسي الإسرائيلي أوائل تسعينيات القرن الماضي، ولذلك فإن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تذهب باتجاه خطوة غير مسبوقة مع إيران عندما تتبنى في هذا الوقت خطّة عمل لإثبات حقيقة تلك الاتهامات. إذ لا يعتقد غل عنبري أن «تكون هذه الخطوة من الوكالة منفصلة عن المصير الذي آل إليه الاتفاق النووي بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الانسحاب منه». كما أنه يشير إلى أن «هذا السلوك من الوكالة لا يبتعد عن سياسة الضغوط الأميركية على إيران، لدفعها للجلوس إلى مائدة التفاوض لمناقشة الملفات كافة»، معتبراً أن «الولايات المتحدة تمتلك علاقات تحالف مع أغلب الدول الأعضاء في مجلس حكام الوكالة، ومن خلال هذا النفوذ بالتأكيد عملت على تسيير الأمور باتجاه هدفها المرفوع منذ انسحاب ترامب من الاتفاق».
الاتفاق أغفل الحديث عن الأنشطة النووية قبل عام 2015


الجدير ذكره أن مواقف الأطراف التي لم تنسحب من الاتفاق النووي لم تشهد إجماعاً في موقفها من هذه الأزمة المستجدة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية. فروسيا أكدت على لسان مدير قسم عدم الانتشار والرقابة على التسلح في وزارة الخارجية، فلاديمير يرماكوف، أن «إيران تتقيّد بالتزامات الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وليس هناك سبب للتحدث عن أي انتهاكات». فيما قال بيان الإليزيه: «يتعيّن على إيران أن تتعاون بشكل كامل مع الوكالة»، الأمر الذي وصفته صحيفة «كيهان» الأصولية بأنه «وقاحة أوروبية»، معتبرةً أن «السياسات الانفعالية لحكومة الرئيس روحاني على الصعيد الخارجي هي السبب في وصول الوكالة الدولية إلى هذا الأسلوب في التعامل مع إيران». وأضافت إن «إيران من وراء هذه السياسات أصبحت بجرّة قلم مديناً وأوروبا دائناً».
يُشار إلى أن موقف أوروبا المساند للوكالة الدولية للطاقة الذرية، في مطالبها من إيران، يشكّل مفارقة، ولا سيما أنها أجّلت تفعيل «آلية فض النزاع» المُقرّة في الاتفاق النووي، كما أنها تحدّثت بعد اجتماعها مع إيران في فيينا أخيراً عن قرب تشغيل آلية «إنستكس» المالية. وفي هذا الإطار، يتكهّن مراقبون في طهران بوجود «نيات أوروبية أو أميركية بالضغط على إيران» من خلال مؤسسة دولية، لأنهم يأملون أن يكون «أقوى من ضغط الأعضاء الموقّعين على الاتفاق النووي». الاتفاق المذكور أغفل الحديث عن الأنشطة النووية التي قامت بها إيران قبل توقيعه عام 2015، بيد أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، امتثالاً لمعاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، مُلزمة بأن تتبع آثار جميع المواد والأنشطة النووية. وفي حال ظهور أشياء لم تكن معروفة سابقاً، تعمل الوكالة على التحقيق فيها. وبما أن إيران ترفض حتى الآن قيام الوكالة بالتحقيق في آثار سابقة، تولّدت شكوك حول مستقبل التعاون الإيراني مع الوكالة الدولية، وخصوصاً أن هذه الأزمة جاءت بعد تلويح رئيس لجنة السياسة والأمن في البرلمان مجتبى ذو النور، بخروج بلاده من «معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، إذا واصلت الترويكا الأوروبية عدم تنفيذ التزاماتها في الاتفاق». لكن المتحدث باسم اللجنة البرلمانية المذكورة، بدّد تلك الشكوك عندما طمأن بأن «لا مشكلة لدى الجانب الإيراني بشأن استمرار عمليات التفتيش الدولية في إطار معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي». وهو الأمر الذي يؤكد الباحث صابر غل عنبري، أن إيران «برغم صدقها فيه على صعيد نص الرقابة، إلا أنها قد تقوم ببعض المناورات في الهوامش من أجل إيصال رسائل ضغط للطرف الأوروبي، لدفعه باتجاه تنفيذ مطالبها الاقتصادية المُتضمنة في الاتفاق النووي».