في نقض لحكم سابق، قضت المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في شأن احتمال ارتكاب قوّات الاحتلال الأميركية، ووكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه»، جرائمَ حرب وجرائم ضدّ الإنسانية في أفغانستان. القرار، وإذ يشكّل صفعةً لإدارة الرئيس الأميركي التي لم تنتهِ بعد مِن الاحتفال بـ«انتصارها» بعد توقيع اتفاق الدوحة بينها وبين وحركة «طالبان»، من شأنه أن يُسعّر الحرب التي أعلنتها واشنطن على المحكمة منذ تبوّء دونالد ترامب السلطة.سريعاً، جاء الردّ الأميركي على القرار «المتهوّر» لـ«الجنائية الدولية». وما هي إلّا ساعات قليلة حتى عقد وزير الخارجية، مايك بومبيو، مؤتمراً صحافياً سخر فيه من «عمل مذهل حقاً من جانب مؤسسة سياسية غير خاضعة للمساءلة وتدّعي بأنها هيئة قانونية»، مهدّداً باتخاذ «جميع الإجراءات اللازمة لضمان عدم مثول الأميركيين أمام هذه الهيئة السياسية لهدف الانتقام السياسي». تهديد يأتي بعد أسبوع على رفض الولايات المتحدة منحَ تأشيرة دخول للمدّعية العامة في المحكمة، فاتو بنسودة، على خلفية معارضة إدارة ترامب فتح «الجنائية» تحقيقاً في شأن أفغانستان. ولهذه الغاية، أعلنت الإدارة، منتصف آذار/ مارس 2019، عقوبات غير مسبوقة ضدّ الجهاز القضائي الدولي، وفرضت قيوداً على منح تأشيرات دخول لأيّ شخص «مسؤول مباشرة» عن التحقيق «ضدّ عسكريين أميركيين».
بومبيو: سنتّخذ جميع الإجراءات لضمان عدم مثول الأميركيين أمام المحكمة


وفي قرار جديد يلغي آخر اتّخذته المحكمة في نيسان/ أبريل 2019، مُنحت المدّعية العامة «الإذن لبدء تحقيق في جرائم يُعتقد أنها ارتُكبت على أراضي أفغانستان منذ الأول من أيار/ مايو 2003» من جانب القوات الدولية، وخصوصاً الأميركية، إلى جانب القوات الأفغانية ومقاتلين من حركة «طالبان». كذلك، أجازت المحكمة لبنسودة التأكّد من عمليات تعذيب منسوبة لوكالة الاستخبارات المركزية في أفغانستان، وفي دول أخرى أيضاً، مثل بولندا ورومانيا، حيث نَقلت الوكالة الأميركية سجناء على صلة بالحرب الأفغانية. وأشار القاضي بيوتر هوفمانسكي إلى أن التحقيق يتعلّق «بجرائم حرب مزعومة مُتعلّقة بالتعذيب والمعاملة القاسية وإهانة كرامات الأشخاص والاغتصاب وأشكال أخرى من العنف الجنسي ارتُكبت في سياق نهج سياسي من جانب عناصر في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية». وبعدما اعتبرت «الجنائية الدولية» في المرحلة الابتدائية، العام الماضي، أن فتح تحقيقات في شأن جرائم مماثلة في بلد تمزّقه الحرب «لا يخدم مصالح العدالة»، استأنفت بنسودة في أيلول/ سبتمبر قرار القضاة رفض فتح التحقيق، واعتبرته ضربة قاسية «لآلاف الضحايا»، بينما دعا مكتبها الذي بدأ في عام 2006 دراسة أولية للوضع في أفغانستان، إلى جانب ممثلين لضحايا الحرب، من جديد، إلى فتح التحقيق خلال جلسات استماع عُقدت في كانون الأول/ ديسمبر. أدى ذلك إلى نقض قرار الغرفة الابتدائية التي «ارتكبت خطأ» حين اعتبرت أن فتح التحقيق لا يخدم العدالة. ومع نهاية الجلسة، أعلنت المحامية عن الضحايا، كاثرين غالاهير، «(أننا) خسرنا عامين إضافيين بسبب هذا الخطأ»، مؤكدة أن حكم الاستئناف «ليس فقط ضربة للإدارات الأميركية التي تريد أن تكون مرتبطة بسيادة القانون، لكنه يشكّل انتصاراً لِمَن يؤمنون بأن المعتقلين يجب أن يعامَلوا معاملة إنسانية وأنه يجب حماية المدنيين».
وفيما لا تزال الضبابية تسيطر على المشهد الأفغاني بعد توقيع اتفاق الدوحة، في ظلّ العراقيل التي بدأت تظهر تباعاً، وإعلان «طالبان» انتهاء مرحلة التهدئة، وتزايد الشكوك في شأن إمكانية انعقاد المفاوضات الداخلية الأفغانية التي يفترض أن تنطلق في العاشر مِن آذار/ مارس بين الحركة وحكومة كابول، أكد بومبيو أن بلاده كانت تعرف مسبقاً أن «الطريق ستكون مليئة بالعراقيل»، التي يمثّل رفض حكومة أشرف غني الالتزام ببند تبادل الأسرى كشرط مسبق للجلوس إلى طاولة المحادثات أوّلها. لكن الوزير الأميركي اعتبر أن «هذه الوثائق ثمرة مفاوضات شاقة، تعلم جميع الأطراف أن الوقت حان لتبادل السجناء»، لافتاً إلى وجود مبعوث بلاده إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، في كابول لمحاولة تجاوز هذه العقبات.