ربّما تكون السنوات الثلاث الماضية الأسوأ مِن عمر الحزب الديموقراطي. بحثه المضني عن مرشّح يمكنه هزيمة دونالد ترامب يصطدم بجملة معوّقات: رفض الحزب المطلق، حتى الآن، تبنّي ترشيح شخصية مثل بيرني ساندرز بتوجّهات يسارية بالمفهوم الأميركي، وفشله في تسويق مرشّح المؤسسة جو بايدن، وصولاً إلى استنجاده بمايكل بلومبرغ. معوّقات وضعت «الديموقراطي» في موقع مَن لا حول له ولا قوة، بينما يتوجّه إلى معركة «لا تقوى أميركا على خسارتها»، كما يقول بلومبرغ.مقلقٌ يبدو وضع مرشّح الضرورة للحزب الديموقراطي، مايكل بلومبرغ. المناظرة الأولى التي شارك فيها ــــ والتاسعة للمرشّحين الديموقراطيين ــــ في لاس فيغاس (نيفادا) مثّلت خيبة أمل لمناصري الملياردير الأميركي الذي «اشترى»، في آخر لحظة، مكاناً له في الحملة الرئاسية. مقارنةً بزملائه، حاز بلومبرغ (78 عاماً) جائزة أسوأ أداء في مناظرة الأربعاء، إن كان لجهة ما طَرَحه أو ما ردّ عليه. بدا متلعثماً أمام وابل مِن الهجمات المنسّقة، بعدما نجح في توحيد المرشّحين المختلفين ضدّه.
أمام الآلاف مِن مناصريه في ولاية أريزونا، قال دونالد ترامب في معرض سخريته مِن بلومبرغ: «سمعت أنه سيحطّم نفسه هذا المساء». الحقيقة أن معرفة من سيفوز بانتخابات الحزب الديموقراطي «لا تهمّنا»، لأننا «نحن مَن سيفوز» بالانتخابات الرئاسية. بهذه الخفّة، يدير الرئيس الأميركي معركة الفوز بأربع سنوات إضافية، مستمدّاً قوته مِن ارتباك بات السمة الأبرز في حملة خصومه الديموقراطيين. هؤلاء لم يَعدموا طريقة لإطاحة ترامب، بل جرّبوا كلّ شيء من أجل ذلك، حتى إنهم جنّدوا آلة إعلامية عريضة لنصرة قضيتهم هذه. لكن كلّ الطرق لم تؤدِّ إلا إلى نكسات باتت تتراكم بعضها فوق بعض، لتعبِّد الطريق، مرّة أخرى، أمام الملياردير الأميركي إلى البيت الأبيض.
اتّسمت المناظرة التي شارك فيها ستة مرشحين، أول من أمس، بحدّة غير مسبوقة في لاس فيغاس، حيث سيُجرى التصويت الثالث السبت المقبل في الانتخابات التمهيدية للحزب الديموقراطي. وفي مواجهة الهجمات المنسّقة ضدّه، سعى بلومبرغ إلى تقديم نفسه على أنه الديموقراطي الأكثر قدرةً على الفوز بالانتخابات الرئاسية المرتقبة في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر. وتساءل: «مَن يمكن أن يهزم دونالد ترامب؟ ومن يمكنه أن يقوم بالعمل في البيت الأبيض؟ أقول إنني المرشّح القادر على القيام بهذين الأمرين»، لتجيبه السيناتورة إليزابيث وارن: «الديموقراطيون يجازفون كثيراً إذا قمنا فقط باستبدال ملياردير مغرور بآخر». وتَوجّه ساندرز، صاحب الحظوظ الأعلى للفوز بترشيح الحزب، بحسب استطلاعات الرأي، إلى بلومبرغ بالقول إن «الأميركيين اكتفوا من أصحاب المليارات الذين يشترون الانتخابات»، مشيراً إلى أن «مايك بلومبرغ يملك ثروة كبيرة توازي ما يملكه 125 مليون أميركي» هم الأكثر فقراً، وهذا «أمر غير أخلاقي».
يقدّم بلومبرغ، المُصنّف وفق مجلة «فوربز» تاسع أغنى رجل في العالم بثروة تُقدّر بنحو 60 مليار دولار، نفسه على أنه المرشّح القادر على استقطاب التيار الوسطي، وسط صراع حقيقي على هذا التيار المُوزّعة أصواته بين أربعة مرشحين هم: رئيس بلدية ساوث بند السابق بيت بوتيدجيدج، ونائب الرئيس السابق جو بايدن، والسيناتور إيمي كلوبوشار، وبلومبرغ. ودخل صاحب الوكالة المالية التي تحمل اسمه، الحملة الانتخابية متأخراً جداً في تشرين الثاني/ نوفمبر، ويموّل ترشيحه بمئات ملايين الدولارات تُصرف من ماله الخاص. وهو اعتمد استراتيجية قلّما استُخدمت في تاريخ الانتخابات التمهيدية في الولايات المتحدة، بقراره عدم خوض الانتخابات في الولايات الأربع التي تصوّت في شباط/ فبراير (أيوا ونيوهامبشر ونيفادا وكارولاينا الجنوبية)، إذ يأمل تحقيق فوز في «الثلاثاء الكبير»، الثالث من آذار/ مارس، حين ستجرى الانتخابات في 14 ولاية، وصولاً إلى انعقاد المؤتمر العام للحزب الديموقراطي في تموز/ يوليو. معتمداً على هذه الولايات التي تضمّ عدداً كبيراً من «المندوبين»، يأمل بلومبرغ أن يعوِّض دخوله المتأخّر، علماً بأن من يحصل على غالبية المندوبين (أي 1991 مندوباً) يفوز بترشيح الحزب.
وحقّق ساندرز، في شباط/ فبراير الجاري، نسبة 32% من نيّات التصويت، مُتقدّماً 9 نقاط عن كانون الثاني/ يناير، وفق الاستطلاع الشهري الذي تجريه صحيفة «واشنطن بوست» وشبكة «إيه بي سي». أما بلومبرغ، الذي لم يشارك بعد في أيّ جولة من الانتخابات التمهيدية، فصعد إلى المركز الثالث في هذا الاستطلاع مع نسبة 14%. وحلّ بايدن، الذي عانى من انتكاستين متتاليتين في ولايتَي آيوا ونيوهامبشر ثانياً في الاستطلاع، في حين احتلّت وارن المركز الرابع، يليها مرشحان حقّقا تقدماً مفاجئاً هما بوتيدجيدج وكلوبوشار. مُصوّبةً على بلومبرغ، قالت وارن إن هذا الأخير «يدعم سياسات عنصرية»، في إشارة خصوصاً إلى الاستجوابات وعمليات التفتيش التعسّفية التي تُعتبر خلف تفشّي التنميط العنصري في نيويورك. فالرجل أشرف على الرقابة الجماعية التي مورست ضدّ الأقليات في المدينة، حيث قامت إدارة الشرطة بمراقبة كلّ ما له صلة بالمسلمين من مساجد ومطاعم ومؤسسات تعليمية وأماكن عمل، من دون أن يستند ذلك إلى اشتباه أو إذن قانوني. وعلى الرغم من تاريخه هذا، فإن بلومبرغ كسب حتى الآن موافقة العشرات من رؤساء البلديات الديموقراطيين البارزين وأعضاء الكونغرس. وفي تقرير له عن التاريخ العنصري للمرشّح، استغرب موقع «إنترسبت» غياب الحديث عن ممارسات بلومبرغ العنصرية وغير الدستورية، المتمثلة في سياساته التي استهدفت أيضاً سكان نيويورك من أصول أفريقية، مشيراً إلى أن الممارسات الآنفة لم يَرِد لها ذكر في وسائل الإعلام الأميركية خلال الأسابيع الأخيرة. وأكد أن السجلّ العنصري لرئيس البلدية الأسبق لا جدال فيه، فقد تمّ جمع وتوثيق الكثير من الأدلة الدامغة ضدّه وضدّ شرطة المدينة من قِبَل وكالة «أسوشيتد برس»، في سلسلة مقالات حازت جائزة «بوليتزر» في 2011. وكشفت تحقيقات الوكالة أن شرطة نيويورك عملت خلال الفترة التي كان فيها بلومبرغ رئيساً للبلدية، مع وكالة الاستخبارات المركزية «سي آي إيه»، لنشر فرق من العملاء السريين في الأحياء الإسلامية لجمع المعلومات.


ساندرز يهاجم حكّام الرياض
شنّ المرشّح المحتمل لخوض انتخابات الرئاسة الأميركية، السيناتور بيرني ساندرز، هجوماً على السعودية ووليّ عهدها محمد بن سلمان. وقال ساندرز في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»: «لسنوات أحببنا السعودية كحليف رائع، لكن المشكلة الوحيدة هي أن الناس الذين يديرون ذلك البلد قَتَلة سفّاحون»، مضيفاً: «بدلاً من أن نكون على علاقة ودّية جداً مع الديكتاتور الملياردير محمد بن سلمان، يمكننا أن نجمع السعوديين والإيرانيين»، لأن «واشنطن تعبت من إنفاق تريليونات الدولارات على حروب لا تنتهي». وسارع مبعوث ترامب السابق لـ«السلام» في المنطقة، جيسون غرينبلات، إلى الردّ على تصريحات ساندرز، واصفاً إياها بـ«الخطيرة وغير العادلة». وفيما قال إن الرياض حقّقت على مدى ثلاث سنوات «خطوات كبيرة وهناك المزيد»، اعتبر أن مساواة السعودية «الحليف المهم»، بإيران التي وصفها بـ«العدوّ والقاتل»، «أمرٌ مشين».