هجمات اليمين المتطرّف لا تشكّل مادة «جذابة» للإعلام الغربي
ويمثّل الإعلام الدور الأبرز في تحديد الوجهة السياسية لتفاعلات ما بعد الهجمات، وكيفية تأثّر الرأي العام بها. فهجمات اليمين المتطرّف لا تشكّل المادة الجذّابة ذاتها للإعلام الغربي، الذي تشكّله هجمات الإرهاب من خلفية التطرّف الإسلامي، فنرى تمايزاً في حجم التغطية الإعلامية: تعتيم وتركيز على الدوافع الشخصية في الأولى، ومبالغة في تغطية الثانية مع ربطها بالدوافع الدينية في ما قد يصل الى حدّ «الإسلاموفوبيا» في بعض الوسائل. سبق لحركات اليمين الأوروبي المتطرّف أن قويت ثم خمدت في مراحل عدة طوال القرن الماضي، لكنها تنتعش هذه الأيام، بعدما تضاعفت أعدادها بشكل خطير في السنوات الأخيرة. وقبل أيام، اعتقلت السلطات في برلين مجموعة يمينية متطرّفة من 12 عضواً، كانت تنوي تنفيذ هجمات ضدّ مساجد، بخلفيات عنصرية تمزج بين التطرّف ضدّ المسلمين ورهاب المهاجرين والغرباء.
وليس سرّاً الدفع الذي منحته الحرب في أوكرانيا لحركات اليمين المتطرّف ذات الجذور النازية. وتزامن ذلك مع انفجار موجات اللجوء عبر المتوسّط وعبر تركيا من أفغانستان وسوريا والعراق وشمال أفريقيا في العقد الأخير، والهجمات الإرهابية الكبيرة التي نفذها تنظيم «داعش»، وانتشار ظاهرة «الذئاب المنفردة» المرتبطة فكرياً بالتنظيم. فغالبية هذه الحركات لها امتداد على طول القارة من أوروبا الغربية إلى الشرقية، مروراً ببولندا وأوكرانيا، وباتت تستمدّ من بروباغندا التهويل بالخطر الروسي واللجوء وعنف «داعش» وقوداً لنشر أفكارها وجذب المريدين. ولعلّ تعاظم قوّة اليمين في بولندا، والدعم الأميركي اللامتناهي لوارسو لتأسيس تحالف من ثماني دول في أوروبا الشرقية لمواجهة روسيا، سيخلق في المستقبل زخماً لليمين الأوروبي المتطرّف بشكل عام، ولا سيّما في ألمانيا، التي ترتبط حركاتها اليمينية ارتباطاً وثيقاً باليمين البولوني.
ما يزيد المشهد تعقيداً، الدور الذي يقوم به الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، واستخبارات بلاده، و«حزب العدالة والتنمية»، في البلاد التي ينتشر فيها المهاجرون الأتراك وأكراد تركيا، ولا سيّما في ألمانيا التي تستصيف مليونَي تركي. إذ يتنقّل مسؤولو الحزب وضباط الاستخبارات بكلّ حرّية في ألمانيا للعمل على تنظيم المهاجرين الأتراك، واستخدامهم للتأثير في العمليات الانتخابية في داخل ألمانيا، وكذلك في استقطاب المهاجرين المسلمين بشكل عام تحت عناوين مختلفة، دينية واجتماعية.