تعيش واشنطن، منذ أيام، على وقع الأخذ والردّ بين ويليام بار ودونالد ترامب، وذلك على خلفية شجب بار لتغريدات الرئيس، والتي رأى أنها تجعل عمله كوزير للعدل «مستحيلاً». وإذا كانت تغريدات الرئيس، عموماً، تجعل عمل مساعديه ومختلف العاملين معه مستحيلاً وفق ما يرى البعض، إلا أنها في حالة بار خصوصاً ساهمت في تحمية نقاش كان محتدماً أصلاً، محوره اتهامات لوزير العدل بالتدخّل لدى القضاء من أجل تخفيف عقوبة روجر ستون، صديق ترامب، بناءً على طلب الأخير، وهو ما أثار مخاوف من تسييس التحقيقات والأحكام القضائية، وأدى إلى تنحّي أربعة مدّعين عامّين عن تلك القضية، في اعتراض واضح على ما يقولون إنها «تدخلات سياسية» في عملهم. على هذه الخلفية، سعى بار إلى تهدئة الجدل العنيف الذي يهزّ واشنطن، عبر تأكيده، في مقابلة بُثّت أول من أمس، أنه لا يتلقى أوامر من أحد، وأسفه في الوقت ذاته للتغريدات التي ينشرها الرئيس. وقال بار، لشبكة «إيه بي سي نيوز» الإخبارية: «أنا سعيد لأن الرئيس لم يطلب منّي أبداً التدخل بأيّ شكل من الأشكال في قضية جنائية». لكنه أضاف أن تغريدات الرئيس وتصريحاته «تجعل أدائي وظيفتي أمراً مستحيلاً». وتابع: «أعتقد بأن الوقت حان للتوقف عن التغريد بشأن القضايا الجنائية لوزارة العدل».
وأتت تصريحات بار بعد موافقته على الإدلاء بشهادته في الكونغرس، وسط مزاعم عن ارتكابه تجاوزات في وزارته بهدف توفير الدعم السياسي للرئيس، بحسب ما أفادت به لجنة العدل في مجلس النواب الأربعاء. وسيُدلي بار بشهادته أمام اللجنة في 31 آذار/ مارس، بعد رفضه ذلك على مدى عام كامل. وأرسلت «العدل» رسالة بهذا الخصوص إلى وزارة العدل لتأكيد ما تمّ التوافق عليه، مشيرة إلى نقض بار طلب مدّعين عامين في وزارته عقوبة قاسية بحق المستشار السياسي الجمهوري روجر ستون.
تنحّى أربعة مدّعين عامّين عن قضية ستون اعتراضاً على «التدخلات السياسية»


وكان ستون، الذي قدّم النصح لترامب قبل الحملة الانتخابية وخلالها، اتُّهم في تشرين الثاني/ نوفمبر بالكذب على الكونغرس، والضغط على شهود في إطار التحقيق في التدخل الروسي في الانتخابات الأميركية التي جرت في عام 2016. وطلب المدّعون العامون الأربعة المكلّفون الملف حكماً بالسجن بين سبعة وتسعة أعوام على ستون، لكن وزارة العدل تدخّلت وطلبت عقوبة «أقلّ» باسم «مصالح قضائية»، في وقت نشر فيه ترامب تغريدة على «تويتر» دان فيها ما سمّاه «وضعاً غير عادل» و«خطأ قضائياً». وعلى رغم أنه نفى، الأربعاء الماضي، أن تكون تغريداته تدخلاً سياسياً، إلا أن المدّعين الأربعة، أرون زيلينسكي وجوناثان كرافيس وآدم جيد ومايكل ماراندو، الذين طلبوا الحكم، أعلنوا تنحّيهم عن قضية ستون، في مذكرة قدّموها إلى القاضي.
مع ذلك، أصرّ بار على نفي أن يكون قد تطرّق مع ترامب إلى قضية العقوبات على ستون، قائلاً إنه «فوجئ» بالتوصية التي أصدرها المدّعون العامون مطلع الأسبوع الجاري، وإنه كان يعتزم «تعديل وتوضيح» موقف الوزارة في اليوم التالي، عندما أطلق ترامب تغريدة له. وأضاف أنه «بمجرد أن نُشرت التغريدة، بات السؤال الآن ماذا أفعل؟ هل أمضي قدماً في ما أعتقد أنه القرار الصائب أم أتراجع بسبب تغريدة؟ وهذا يوضح نوعاً ما إلى أيّ درجة يمكن لهذه التغريدات أن تكون مزعجة». وردّاً على سؤال في شأن ما إذا كان مستعداً لمواجهة عواقب إطلاق تصريحات علنية ضدّ الرئيس، أجاب بار: «بالطبع»، متابعاً: «لن أخضع للتنمّر أو التأثر من قِبل أحد، سواء كان ذلك من الكونغرس أم من هيئات تحرير الصحف أم من الرئيس. سأفعل ما أعتقد أنه الصواب».
وسرعان ما ردّ ترامب، أمس، على تصريحات وزير العدل، مؤكداً في تغريدة على «تويتر» أن من حقه التدخّل في ملفات قضائية، مستدركاً بأنه قرر ألا يفعل ذلك حتى الآن. وكان البيت الأبيض قد حرص على التأكيد أنه ليست هناك أيّ خلافات بين بار وترامب. وقالت المتحدثة باسم الرئاسة، ستيفاني غريشام، إن «الرئيس لم ينزعج إطلاقاً من هذه التعليقات، ومن حق بار مثل أيّ مواطن أميركي آخر أن يعبّر عن مواقفه علناً». وأضافت أن ترامب «يستخدم وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة بالغة الفاعلية، ليكافح من أجل الأميركيين ضدّ الظلم في بلدنا»، جازمة أن الرئيس الأميركي يولي بار ثقته الكاملة «ليقوم بعمله ويفرض احترام القانون». في المقابل، دانت زعيمة الديمقراطيين في الكونغرس، نانسي بيلوسي، على الفور، ما اعتبرته «تدخلاً سياسياً» في ملف قضائي، وذهبت إلى حدّ توصيف ما حدث بأنه «استغلال للسلطة». ورأت أن قرار إدارة ترامب يشكل «فضيحة» و«يضرّ بدولة القانون».