على وقع هتافات «أربع سنوات أخرى»، استُقبل ترامب في قاعة النواب حيث اجتمع أركان الدولة وأعضاء المجلسَين. حالهم كحال الرئيس، كان جمهوريّو مجلسَي النواب والشيوخ متحمّسين بخلاف أقرانهم الديمقراطيين، بينما كان ترامب يؤكّد أن «حالَ اتّحادنا أقوى من ذي قبل»، مصوّباً على كلّ مَن سبقه. مستعيراً أداء سلفه بيل كلينتون في عام 1999، تجنّب الحديث عن مسألة العزل، ليتسنّى له تقديم نفسه بصفة «أبي الإصلاحات». ركّز في العرض الذي قدّمه على سجلّه الاقتصادي «المدهش»: «في ثلاث سنوات، أجهزنا على مفهوم التراجع الأميركي… أعداؤنا يفرّون وأموالنا تزداد». استفاض في الحديث عن منجزات رئاسته، في خطاب انتخابي أكثر مِنه عرضاً لأجندة سياسية للسنوات الأربع المقبلة. لم تشكّل السياسة الخارجية أولوية في كلمته المخصّصة للداخل؛ مرّ عليها بصورة عابرة. عشر دقائق كانت أكثر من كافية للتذكير ببعض المواقف، نظراً إلى افتقار ملفِّه لأيّ إنجاز خارجي يمكن التباهي به. تطرّق سريعاً إلى المواجهة مع إيران ونجاعة حملة «الضغوط القصوى»، مُذكّراً بأنه هو مَن أمَر باغتيال قائد «قوة القدس»، الجنرال قاسم سليماني. ثمّ جدّد حديثه عن «إعادة» القوات الأميركية مِن أفغانستان، وضرورة إنهاء الحروب في المنطقة. دافع، من جهة ثانية، عن دعمِه للانقلابي الفنزويلي، خوان غوايدو، الذي كان حاضراً في قاعة الكونغرس للاستماع إلى خطاب حال الاتحاد، ووعد بـ«تحطيم طغيان» الرئيس نيكولاس مادورو. بدا في هذا السياق أن واشنطن لا تزال متحمّسة لسياسة الانقلابات في أميركا اللاتينية، بعد نجاح نماذج الإكوادور والبرازيل، وأخيراً بوليفيا، وهو ما شدّد عليه إليوت أبرامز أخيراً لدى إشارته إلى أن السياسة الأميركية ستنجح في كاراكاس.
لم تشكّل السياسة الخارجية أولوية في كلمة ترامب المخصّصة للداخل
أكثر من ساعة خصّصها ترامب للشأن الداخلي والحديث عن نجاح استراتيجيته، حيث الكفّة راجحة لمصلحته: الوظائف تزدهر، والمداخيل ترتفع، والفقر يتراجع، والجريمة تنخفض، والثقة تتعزز، مُذكّراً بأنّه «وفى» بوعوده التي كان قطعها خلال حملته الانتخابية «بخلاف آخرين قبلي». يحدث ذلك في وقت ارتفعت فيه نسبة تأييده، وللمرة الأولى منذ وصوله إلى الرئاسة، إلى 49%، بحسب أحدث استطلاع للرأي أعدّه معهد «غالوب»، وفي ظلّ رضىً أميركي عن سياسات ترامب الاقتصادية، بعدما حافظت على نسبة بطالة شبه ثابتة عند 3.5%. رضىً بيّنته أيضاً استطلاعات الرأي، وآخرها ذلك الذي أجرته شبكة «سي بي إس» في كانون الثاني/ يناير. لكن السياسة القائمة على شعار «أميركا أولاً» تُبيّن أن الدعم الأميركي لترامب يقتصر على الجانب الاقتصادي، إذ ترفض غالبية الأميركيين سياسته الخارجية، وخصوصاً لجهة انسحابه من الاتفاق النووي الإيراني، في مقابل تبنّي سياسة «الضغوط القصوى».
أبرز الخطاب الأخير الخصومة السياسية الأميركية في أعلى تجلّياتها، بعدما رفض الرئيس الأميركي مصافحة رئيسة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، التي مدّت له يدها للترحيب به، وهو يسلّمها نسخة مِن خطابه. دفعها ذلك إلى حذف عبارة التشريف البروتوكولي لدى تقديمه للكونغرس. وفي نهاية كلمته، وقفت ومزّقت نسخة الخطاب، في استعراض بدا مفتعلاً مِن الجانبين. كانت بيلوسي تعتقد بأن «الضوء المسلّط عليه (ترامب) سيكون أقوى ممّا يمكنه تحمّله»، وهو ما قالته لـ«نيويورك تايمز» قبل كلمة الرئيس. وبينما جلست واجمةً خلفة، بدت كأنها أكبر الخاسرين. تخلّت عن معارضتها لمبدأ المساءلة لإرضاء الجناح الأكثر تشدّداً داخل الحزب، بعدما فشِل في إثبات «عمالة» ترامب للروس. تقرير مولر جاء حاسماً في هذا السياق، إذ برّأ الرئيس من تهمتَي التعامل مع الروس وإعاقة العدالة. الفرصة التي استغلّها الديمقراطيون لتوجيه اتهامين إلى ترامب على خلفية القضية الأوكرانية لم تؤدِّ إلا إلى تعزيز وضعه. وتبدّت الحالة البائسة لخصومه الديمقراطيين في انتخابات ولاية أيوا، التي سادتها الفوضى والتشرذم وضعف الإقبال على المشاركة فيها، ما عزّز من وضعه أكثر. حتى ليل الثلاثاء، لم يستطع جهاز الحزب في الولاية استخراج حصيلتها النهائية وتحديد الفائز فيها. لكن الأرقام الأولية بيّنت أن المرشح المفضل لمؤسسة الحزب الديمقراطي، جو بايدن، نزل إلى المرتبة الرابعة، وصعد بدلاً مِنه كلّ مِن بيرني ساندرز وبيت بوتِيدجيج، وهذا كابوس آخر لقيادة الحزب، يضاف إلى كابوس ترامب.