بغداد | استهداف الحرس الثوري الإيراني، قاعدة عين الأسد الجوية المشغولة من قِبل القوات الأميركية، فجر أمس، دفع «حُماة» السيادة العراقية إلى اتخاذ موقف مندّد بـ«الردّ» الإيراني على جريمة اغتيال قائد «قوة القدس» في «الحرس» الشهيد قاسم سليماني، ونائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي» أبو مهدي المهندس، ورفاقهما، الأسبوع الماضي. رئيسا الجمهورية برهم صالح، والبرلمان محمد الحلبوسي، استنكرا «انتهاك طهران السيادة العراقية». الأول، وفي بيان صادر عنه، جدّد رفض رئاسة الجمهورية الخرق المتكرّر لـ«السيادة الوطنية، وتحويل العراق إلى ساحة حرب للأطراف المتنازعة»، أما الثاني، فأعلن رفضه القاطع محاولة الأطراف المتنازعة استخدام الساحة العراقية في تصفية الحسابات، داعياً الحكومة إلى «اتخاذ الإجراءات والتدابير السياسية والقانونية والأمنية اللازمة لإيقاف مثل هذه الاعتداءات». وفي حين أصدر رئيس الوزراء المستقيل، عادل عبد المهدي، بياناً تناول فيه «كواليس» الردّ الإيراني، أعلنت وزارة الخارجية عزمها استدعاء السفير الإيراني لدى بغداد للاحتجاج على «خرق السيادة العراقية»، مُشدِّدة - بدورها - على عدم السماح «بأن يكون العراق ساحة صراعات، أو ممرّاً لتنفيذ اعتداءات، أو مقرّاً لاستخدام أراضيه للإضرار بدول الجوار».هكذا إذاً، تسعى الحكومة إلى الخروج من الأزمة بأقلّ الخسائر الممكنة، على قاعدة «إمساك العصا من الوسط». يدلّل على ذلك أن خطوة استدعاء السفير الإيراني تأتي بعد خطوة مماثلة طاولت السفير الأميركي إثر القصف الذي نفّذته بلاده ضدّ مقارّ لـ«الحشد الشعبي» عند الحدود السورية، وأسفر عن سقوط أكثر من 25 شهيداً و40 جريحاً، قبل أسبوعين. وبعد تكتّم بغداد على نتائج استدعاء السفير الأميركي، من المرجّح أن تتكتّم أيضاً على نتائج استدعاء السفير الإيراني، بما يشي بأن ما يجري أقرب إلى حركة احتجاجية إعلامية لحفظ ماء وجه السلطات المنقسمة على نفسها. إذ بات واضحاً أن صالح والحلبوسي ملتزمان بشكل صريح الرغبة الأميركية، حرصاً على حفظ مكاسبهما السياسية من جهة، وخوفاً من عقوبات اقتصادية قد تطاولهما من جهة ثانية.
منذ الجلسة البرلمانية الأخيرة، والتي شهدت التصويت على قرار يلزم الحكومة الاتحادية جدولة انسحاب القوات الأجنبية المنتشرة في البلاد، بدا جلياً أن ثمة توجّهاً لـ«تطييف» المشهد السياسي في البلاد: القوى «الكردية» و«السُّنية» في مواجهة القوى «الشيعية»، على رغم أن العنوان المطروح أخيراً يفترض أن يكون وطنياً جامعاً؛ إذ أنه يتصل بسيادة العراق واستقلاله. لكن هذه الانقسامات، التي زرع بذورها الاحتلال الأميركي منذ غزوه للبلاد عام 2003 وما أعقبه من تأسيس لفكرة «المكوّنات»، دائماً ما تعود للظهور لدى كلّ تحدٍّ مفصلي يواجهه العراق. وهذه المرة، يراد، أميركياً، إعادة إحيائها، من أجل الانقضاض على مطلب خروج قوات الاحتلال.
بالعودة إلى بيان عبد المهدي، فهو كشف عن تلقّيه «رسالة شفوية رسمية من طهران، تفيد بأن الردّ الإيراني على اغتيال سليماني قد بدأ... وأن الضربة ستقتصر على أماكن تواجد الجيش الأميركي في العراق، من دون أن تُحدَّد مواقعها»، نافياً «وقوع أيّ خسائر بشرية» جرّاء تلك الضربة. عبد المهدي دعا إلى «احتواء الموقف، وعدم الدخول في حرب مفتوحة»، رافضاً انتهاك سيادة العراق والاعتداء على أراضيه، مؤكداً في ختام بيانه «استمرار محاولاته لمنع التصعيد، ودعوة الجميع لضبط النفس، واحترام الدولة العراقية وقرارات حكومتها، ومساعدتها على احتواء وتجاوز هذه الأزمة الخطيرة».
بات واضحاً أن صالح والحلبوسي ملتزمان بشكل صريح الرغبة الأميركية


من جهتها، تشدّد مصادر إيرانية مطلعة على أن طهران لم تنتهك السيادة العراقية، بل إنها «في موقع دفاعي». وتضيف المصادر، في حديثها إلى «الأخبار»، أن بغداد «هي مَن تنتهك سيادتها بنفسها، وقد كان ذلك واضحاً مع منع القوات الأميركية دخول أيّ قوة عراقية طوال الساعات الماضية الجناح الأميركي في عين الأسد، وقبول قوى أساسية بالاحتلال الأميركي، والدعوة إلى بقائه لحساباتها الخاصة». وتتابع أنه بالنظر إلى أن «القوات الأميركية تعتبر الجناح الذي تشغله جزءاً من الأراضي الأميركية، على غرار السفارة، فإن طهران تعتبر أنها استهدفت أرضاً أميركية كانت منطلقاً لعدوانٍ طاول مواطنيها، وبالتالي لم تخرق السيادة العراقية، خاصة أن الردّ جاء بعد إعلام السلطات المعنيّة به».
من جهة أخرى، وبعد إتمام الردّ الإيراني الأوّلي على اغتيال سليماني، تتّجه الأنظار إلى ردّ فصائل المقاومة العراقية. في هذا الإطار، يسود اعتقاد بأن «ساعة الصفر» قد حانت فعلاً، غير أن عمليات استهداف المصالح الأميركية ستكون رهن «عنصر المفاجأة»، وسط تأكيد مصادر عراقية أن الفصائل لن تتراجع عن الردّ، وهو ما تخشاه واشنطن التي رجّحت، أمس، على لسان مسؤول عسكري، استهداف الفصائل لمقارّ قوات «التحالف» في العراق. في خضمّ ذلك، بدا لافتاً أن زعيم «التيّار الصدري»، مقتدى الصدر، الذي كان تبنّى موقفاً عالي السقف ما بعد الاغتيال عاد ليدعو الفصائل إلى «التأنّي في ضرب القوات الأميركية لحين استنفاد جميع الطرق السياسية والبرلمانية والدولية»، معتبراً أن الأزمة بين طهران وواشنطن قد انطوت بعد خطاب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وخطاب المسؤولين الإيرانيين. وشدّد الصدر على «ضرورة السعي الحثيث لإنهاء تواجد المحتلّ وكبح جماح سيطرته ونفوذه المتزايد وتدخله بالشأن العراقي»، داعياً إلى «الإسراع في تشكيل حكومة صالحة قوية تعيد للعراق هيبته واستقلاليته في فترة لا تزيد على 15 يوماً، وبلا مهاترات سياسية أو برلمانية أو طائفية أو عرقية».