مع مرور الزمن، يتكشّف المزيد عن علاقة حركة «أنصار الله» اليمنية بإيران، والتي ظلّت حتى وقت قريب يكتنفها الغموض، وخصوصاً أن الظروف الموضوعية للطرفين بداية العدوان على اليمن اقتضت كتم بعض جوانبها. ولا شكّ في أن قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني، الشهيد الحاج قاسم سليماني، لعب دوراً بارزاً في تنمية الأواصر بين الطرفين وإيصالها إلى قمة التعاون، علماً بأن قيادة «أنصار الله» الموجودة في الخارج كانت تجري مشاورات دائمة مع الرجل. وعلى رغم أن زعيم الحركة السيد عبد الملك الحوثي والحاج قاسم لم يلتقيا أبداً، إلا أن الرجلين تبادلا الرسائل في العديد من المناسبات.

وشكّل العام الماضي انعطافة في خطاب «أنصار الله» تجاه التبنّي الكامل لخطاب محور المقاومة وأدبيّاته، بعد أن كانت تتجنّب التماهي الكامل معه لأسباب متعددة. ولعلّ الإنجازات التي حققتها الحركة على الصعيد العسكري حفّزتها على الجهر بعلاقتها بإيران، حتى باتت جزءاً أساسياً من هذا المحور، الذي أصبحت عمليات التنسيق بين أطرافه على درجة عملياتية عالية جداً ومتكاملة في الوقت نفسه. وهي حقيقة لا تخفيها صنعاء، في وقت أضحت فيه زيارات وفودها لطهران أمراً علنياً.
هذه العلاقة الوطيدة بدأت واشنطن، خصوصاً بعد ضربة «أرامكو» خريف العام الماضي، العمل على زعزعتها عبر تقديم إغراءات لـ«أنصار الله» بهدف الفصل بينها وبين إيران، وبالتالي حرمان الطرفين من قوة الربط التي تجمعهما. لكن الردّ جاء سريعاً بتبادل العاصمتين السفراء. وتتهم واشنطن عبد الرضا شهلائي، الذراع اليمنى للحاج قاسم، بالمسؤولية عن نقل السلاح والذخيرة إلى الجيش واللجان الشعبية، ومساعدتهما في التخطيط للعمليات العسكرية، والمساهمة في تطوير القدرات القتالية لـ«أنصار الله». وكانت وزارة الخارجية الأميركية أعلنت، في بداية الشهر الماضي، عن مكافأة بـ15 مليون دولار لِمَن يقدّم معلومات عن شهلائي. وقال المبعوث الأميركي الخاص بإيران، براين هوك، في حينه، إن شهلائي هو قائد رفيع المستوى في الحرس الثوري الإيراني، ومقرّه الحالي في العاصمة صنعاء في اليمن. وتعتقد الخارجية الأميركية أن شهلائي، المولود عام 1957، يستخدم عدة أسماء، من بينها: عبد الرضا شهلائي، الحاج يوسف، الحاج ياسر، ويوسف أبو الكرخ.
وفي تقريرها السنوي عن الإرهاب بداية تشرين الثاني/ نوفمبر، قالت وزارة الخارجية الأميركية إن إيران، وتحديداً «قوة القدس» بقيادة سليماني، زوّدت «أنصار الله» بأسلحة «فتاكة»، مشيرة إلى أن من سمّتهم «المتمردين» استخدموا تلك الأسلحة في ضرب أهداف سعودية. وتحدث التقرير عن دور كبير لعبه الحرس الثوري في مجال تطوير الطائرات المسيّرة والصواريخ الباليستية، التي استخدمتها «أنصار الله» في ضرب أهداف عسكرية واقتصادية في السعودية. وختم بأن الحرس الثوري يستغلّ حالة الفراغ الأمني في اليمن لتقديم دعم هائل لصنعاء.
ودأبت واشنطن، في العديد من المناسبات، على توجيه اتهامات إلى طهران بأنها مسؤولة عن عمليات تهريب الأسلحة والقدرات العسكرية إلى الداخل اليمني «بشكل غير قانوني». وآخر تلك الاتهامات هو ما تضمّنه إعلان مسؤولين أميركيين (الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 2019) عن أن بارجة تابعة للبحرية الأميركية صادرت أجزاء من صواريخ يعتقد بأنها تعود لإيران في خليج عمان. ونقلت وكالة «رويترز»، حينها، عن المسؤولين قولهم إن مدمّرة الصواريخ، «فورست شيرمان»، احتجزت قارباً صغيراً قبل أن تعتليه مفرزة من خفر السواحل وتعثر على أجزاء الصواريخ. وأضاف المسؤولون أن طاقم القارب الصغير نُقل إلى خفر السواحل اليمني، وأن أجزاء الصواريخ في حيازة الولايات المتحدة حالياً.