قبل أن يصل الرئيس الإيراني، حسن روحاني، إلى اليابان، أمس، قادماً من قمة كوالالمبور، في زيارة هي الأولى من نوعها لرئيس إيراني إلى طوكيو منذ 20 عاماً، كانت تصريحات المسؤولين الإيرانيين لا تستبعد تماماً أن يقدّم اليابانيون مبادرة جديدة تتعلّق بالأزمة مع الولايات المتحدة. لكن مع ذلك، بقي الغموض يلفّ جوانب الزيارة، على رغم الضوء الأخضر الأميركي لطوكيو باستقبال روحاني، وهو ما أوحى باهتمام البيت الأبيض بإحياء المبادرة اليابانية، التي كانت قد تعثّرت مع الفشل الذريع لزيارة رئيس الوزراء الياباني، شينزو آبي، لطهران، حين رفض المرشد علي خامنئي تسلّم رسالة يحملها الأخير من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب.اليوم، تأتي زيارة روحاني لتضيف، في الحدّ الأدنى، مؤشراً جديداً على جملة مؤشرات إلى جنوح أميركي إيراني نحو تخفيف التوتر، تجلّى في تبادل السجناء عبر القناة السويسرية، وتفعيل الوساطة العمانية بشأن اليمن. في تفاصيل الزيارة، شكّل «تخفيف التوتر» في الخليج محور الحديث بين الطرفين وفق التصريحات العلنية، مرفقاً بشرح آبي للضيف الإيراني خطة أمنية مستقلة عن التحالف الأمني البحري الأميركي، لنشر قوات بحرية (مدمرة وطائرات دوريات من طراز بي - 3 سي لجمع المعلومات) في الشرق الأوسط ــــ مصدر 90% من نفط اليابان ــــ، في سبيل حماية السفن اليابانية. يأتي ذلك في وقت كرّر فيه ترامب رغبته في إسهام الدول المستفيدة من التجارة عبر الخليج في حماية أمنه، وفيما من المقرر أن تبدأ عملية أمنية أوروبية لتأمين الملاحة في المنطقة بداية العام الجديد.
شكّل «تخفيف التوتر» في الخليج محور الحديث بين الطرفين


تحييد اليابان نفسها عن التحالف الأميركي، وتودّدها إلى إيران في الوقت نفسه، يوحيان للوهلة الأولى بأن السياسة اليابانية الجديدة تجاه المنطقة هدفها حفظ المصالح اليابانية. لكن ذلك لا يمكن أن يظهر بمعزل عن واشنطن، سواء لتعبير آبي الدائم عن إدراكه خطورة التوتر ورغبته في التدخل، أو لطبيعة العلاقة بين طوكيو وواشنطن التي ترغب في أن تمرّر «الجزرة» باتجاه طهران عبر طوكيو. في هذا الإطار، تردّدت، قبل الزيارة، بحسب الصحافة الإيرانية، معلومات حول إمكانية حصول اليابان على إعفاء خاص من العقوبات الأميركية على شراء النفط الإيراني. وفي حين نفى متحدث ياباني حكومي أن يكون اجتماع روحاني ــــ آبي أمس قد تطرّق إلى مناقشة مشتريات النفط الخام، كان لافتاً نشر الرئيس الإيراني عقب اللقاء تغريدة جاء فيها: «أرحّب بأي جهد يمكن أن يعزز المعاملات الاقتصادية، وخاصة في قطاع الطاقة، ويزيد صادرات النفط».
ترغب كلّ الأطراف في الدور الياباني الحيادي الذي فشلت أوروبا في أدائه، ما يزيد التكهنات في شأن جنوح ترامب نحو الاستفادة من القناة اليابانية لتخفيف تكاليف التحالف الأمني على بلاده من جهة، وإعطاء طهران إعفاء جزئياً من العقوبات طمعاً في إقناعها بالمفاوضات أو على الأقلّ عدم المضيّ قدماً في التحلّل من الاتفاق النووي بثمن هو تخفيف التوتر والحصار نسبياً. في المقابل، قال روحاني أمس: «أتمنى أن تعمل اليابان ودول أخرى في العالم جاهدة للمساعدة في بقاء الاتفاق النووي». تصريح يشي بتصلّب إيراني بوجه الدعوات التي تبنتها طوكيو بعدم استمرار طهران بالتخفيف من التزاماتها بالاتفاق النووي في معرض ردها على الانسحاب الأميركي من الاتفاق. وهو ما يجعل الجميع ينتظر تراجعاً إيرانياً عن «الخطوة الخامسة» في هذا الإطار بناء على فحوى الرسائل التي حملها آبي لروحاني في الزيارة، بما يشجّع على تخفيف التوتر أو ما يشبه الهدنة مرحلياً، في انتظار عودة المفاوضات المستعصية في هذه المرحلة.
من جهته، بدا وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، متفائلاً بنتائج الزيارة. وإذ نوّه بحفاوة الاستقبال التي شملت إحياء «شب يلدا» (تقليد إيراني في أطول ليلة في العام)، قال: «اللقاء كان مثمراً وودياً وصريحاً: المزيد من تعزيز العلاقات الثنائية والإقليمية والدولية».