قد تكون هذه المرة الأولى التي يرتبط فيها المسار السياسي في إسرائيل بمستقبل شخص متهم بثلاث قضايا فساد. خصوصية هذا الشخص أنه رئيس وزراء استطاع أن يشلّ الكيان منذ نحو سنة، لضمان ألّا يحاكم ويدخل السجن. لا يتعارض هذا التوصيف مع كون الشلل السياسي له أبعاد أخرى لا تقلّ أهمية: الصراع العلماني – الديني، الانقسامات السياسية، والتنافس على السلطة. لكن الأكثر غرابة في ما يجري منذ مطلع السنة أنه بعد كلّ المحطات السابقة، والتحدّيات الداخلية والخارجية، يؤكد مراقبون أنه ليس هناك ما يضمن ألّا تستمر حالة الشلل لأشهر إضافية، وتتكرر في ضوء ذلك الانتخابات.ويرتبط مستقبل الوضع السياسي بمجموعة عوامل حاسمة تتمحور جميعها حول شخص بنيامين نتنياهو، تبدأ بنتائج انتخابات حزبه، «الليكود»، المقررة في السادس والعشرين من الشهر الجاري، ولا تنتهي بنتائج الانتخابات العامة المقبلة في الأول من آذار/ مارس المقبل. كما تشمل موقف المستشار القضائي والمحكمة العليا من تشكيل نتنياهو للحكومة، وموقف كتلة اليمين بعد الانتخابات من الرجل، وإمكانية عقد صفقة قضائية - سياسية في شأنه، أو بروز تحول في موقف أيّ من الأحزاب المنافسة له، خصوصاً في حال وقوع حدث أمني كبير على مستوى المنطقة.
بعدما نجح نتنياهو في تأجيل موعد الانتخابات التمهيدية في «الليكود» إلى ما بعد دخول إسرائيل في الانتخابات، استطاع منافسه اللدود في الحزب، جدعون ساعر، الذي لا يقلّ يمينية وتطرفاً عنه، أن يفرض إجراء هذه الانتخابات، مستغلاً في ذلك إخفاق نتنياهو المتكرر في تشكيل الحكومة، والعبء الذي بات يشكله على معسكر اليمين نتيجة قضايا الفساد المتهم بها. والجدير ذكره، هنا، أن نتنياهو أدرك مبكراً الخطورة التي يشكلها ساعر، ولذا بذل كلّ جهوده لمنعه من الفوز بمرتبة متقدمة في انتخابات قائمة «الليكود» السابقة، لكنه أخفق في هذا إلى حدّ كبير. ما كان يخشاه رئيس الحكومة تحقق. فمنذ لاح اتجاه إسرائيل نحو انتخابات ثالثة، تَصدّر ساعر الدعوة إلى المنافسة على رئاسة «الليكود» حفاظاً على مكانة الحزب وحكم اليمين. وهي منافسة يمكن القول إنها تمثل التحدّي الأخطر لنتنياهو، لأنه في حال تفوّق ساعر عليه، ستطرأ تغيّرات على المشهد الداخلي، تتذلّل في ضوئها العقبات أمام تشكيل الحكومة أيّاً كانت النتائج التي ستخلص إليها الانتخابات العامة. لكن في المقابل، تبقى أمام ساعر مهمة صعبة جداً تتمثل في الفوز على شخصية هي الأقوى في «الليكود»، وأثبتت في محطات كثيرة قدرتها على التحكم بخيارات الحزب.
إذا أخفقت محاولة إطاحة نتنياهو من رئاسة «الليكود»، تبقى محطة الانتخابات التي تؤكد استطلاعات الرأي كافة أنها لن تؤدي إلى تغيير جذري في معادلة التعطيل المتبادل القائمة. ويخشى نتنياهو و«الليكود» من أن تشكل لوائح الاتهام عاملاً أساسياً في بلورة موقف الناخب، على الأقلّ بما يؤدي إلى تراجع تمثيله لمصلحة حلفائه أو حتى خصومه. مع ذلك، يشكل موقف المستشار القضائي والمحكمة العليا، في ما يتصل بأهلية نتنياهو لتشكيل الحكومة، عاملاً حاسماً في تحديد مستقبله السياسي والشخصي. ويعود هذا إلى أن أيّ قرار منهما ملزم لكلّ مؤسسات الدولة. وسبق أن امتنع الطرفان عن إبداء رأي في هذه المسألة كونها لا تزال نظرية، في إشارة إلى أنه لم يكن مطروحاً، بعد إعلان لوائح الاتهام، تكليفه تشكيل الحكومة. ولا توجد سابقة مشابهة لحالة نتنياهو، كما أن القانون لا ينص على موقف محدد في تلك الحالة، وهو ما يجعلها قضية اجتهادية.
أيضاً، يشكل موقف أحزاب اليمين من التحالف مع نتنياهو بعد الانتخابات المقبلة عاملاً حاسماً في نجاح تكتيكه لضمان عدم محاكمته. خلال الأشهر الماضية، استطاع نتنياهو أن يحول دون تشكيل حكومة برئاسة بيني غانتس، عبر التفاف اليمين حوله كمرشح وحيد. لكن جديد المعطيات حتى الآن، وفقاً لـ«القناة 12»، هو إعلان قيادي من معسكر اليمين أنه «لن تكون هناك مسيرة عمياء وراء نتنياهو، ولن تكون هناك انتخابات رابعة على جدول الأعمال». وقال القيادي المذكور: «سنوضح أننا نؤيد وندعم المرشح الذي لديه أعلى الاحتمالات لتشكيل الحكومة المقبلة». وفي الإطار نفسه، ذكرت صحيفة «يسرائيل هيوم» أن قياديين في أحزاب اليمين أجمعوا في ما بينهم على عدم تشكيل كتلة من هذا القبيل مرة أخرى.
في سياق متصل، بدأ التداول في إسرائيل حول صفقة من نوع آخر، يُمنح بموجبها نتنياهو العفو مقابل اعتزاله الحياة السياسية. ومع أنه لم يتم حتى الآن إيضاح الآليات القانونية لهذه الصفقة ومدى إمكانية تحققها، تبقى هي الخيار الأخير لنتنياهو. وإلى حين تحول ذلك إلى اقتراح جدي، تظلّ المعطيات السابقة هي الأكثر حضوراً. وبعيداً عن التحولات التي تشهدها البيئة الإقليمية لإسرائيل، يبدوا واضحاً أن هناك تحولات موازية في البيئة الداخلية على أكثر من صعيد، وهو ما يقرّ به المسؤولون والخبراء كافة، وسبق أن تطرّق إليه الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، قبل نحو ثلاث سنوات، عندما قال إن إسرائيل على مفترق طرق (داخلي). وليس شلل كيان دولتي بكامله، بهدف ضمان ألّا يحاكم رئيس وزراء على فساده، إلا أحد مظاهر تلك التحولات التي لها مصاديقها الأخرى في الميادين السياسية والاجتماعية، وحتى على مستوى الجيش.