تشهد فرنسا والعاصمة باريس على وجه الخصوص، اعتباراً من اليوم، أكبر إضراب مفتوح في تاريخ البلاد ضدّ سياسات حكومة الرئيس إيمانويل ماكرون بخصوص الرواتب والتقاعد. وبينما تستعدّ العديد من القطاعات للاشتراك في هذا الإضراب، يواجه ماكرون أكبر أزمة منذ تولّيه منصب الرئاسة الفرنسية، بعد احتجاجات «السترات الصفر». ويشارك في الإضراب موظفو شركتَي السكك الحديدية، والخطوط الجوية الفرنسية، وأفراد الشرطة، والأطباء، والممرضون، وموظفو قطاع الصحة، والطلاب، وموظفو البريد، والموظفون العموميون. كذلك، يشارك فيه المحامون، والفلاحون، وطواقم الإسعاف، وسائقو سيارات الأجرة، والمعلمون، وموظفو إنتاج وتوزيع الكهرباء، وسائقو النقل، وغيرهم. ونتيجة للإضراب، لن تعمل جميع خطوط مترو الأنفاق والحافلات، وسيتمّ إغلاق 65 في المئة من المدارس في عموم البلاد، ولن تبيع شركة السكك الحديدية الوطنية الفرنسية تذاكر القطار في الفترة الواقعة بين 5 و8 كانون الأول/ ديسمبر. كما ألغيت رحلات 90 في المئة من القطارات السريعة، و97 في المئة من القطارات الأخرى، و30 في المئة من رحلات الخطوط الجوية الفرنسية. أما الرئيس الفرنسي فقد ألغى زياراته الخارجية لفترة من الوقت، للتركيز على حلّ المشاكل الناجمة عن الإضرابات والتظاهرات.
خصّصت «لو فيغارو» ملفّاً كاملاً لكيفية استعداد المؤسسات لمواجهة «خميس أسود»

وما دفع إلى «الإصلاحات» الأخيرة، والتي يُنفّذ الإضراب على خلفيتها، هو استمرار إنفاق فرنسا 14 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي على المعاشات (من بين أعلى المعدّلات في العالم)، والذي جعل لجنة معاشات مستقلة تتوقّع أن يعاني النظام من عجز يتجاوز 17 مليار يورو، أو 0.7 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي، بحلول عام 2025، إذا لم يحدث تغيير جذري. ومن هن، يريد ماكرون تغيير النظام الحالي، القائم على 42 خطة تقاعدية قطاعية لكلّ منها مستويات مختلفة من الاشتراكات والمزايا، إلى نظام يرتكز على خطة واحدة، ويشمل جميع القطاعات. ويُعرف النظام الجديد بنظام النقاط، حيث يساهم بموجبه كلّ عامل بيورو واحد يومياً، ليكون بهذا أجر التقاعد متساوياً بين الجميع عند نهاية الخدمة، كلٌّ حسب عدد السنوات والأيام التي عملها. كذلك، يحاول ماكرون رفع سنّ التقاعد المحدّد حالياً بـ62 سنة إلى 64 سنة في القانون الجديد لحثّ الفرنسيين على مزيد من العمل، على حدّ تعبيره. ويذهب الرئيس الفرنسي إلى حدّ القول إن النظام القائم على النقاط سيكون أكثر عدلاً وبساطة، كما أنه سيحسّن تمويل المعاشات مع تقدّم العمر. إلا أن النقابات تتخوّف من خسارة نفوذها في حال تطبيق القانون المذكور، ولاسيما أن تغيّر هيكلية المساهمات سيؤثر عليها، وسيحدّ من قدرتها على إبداء رأيها.
واحتلّ الإضراب المرتقب صفحات الجرائد الفرنسية، بدءاً من «لو موند» التي عنونت أحد مقالاتها بـ: «النقابات تصطدم بظاهرة السترات الصفر»، في إشارة إلى خشيتها من «انفلات الأمور من يدها، في ظلّ تفلّت الناشطين من قرارات القيادات النقابية». إذ «ليس بالإمكان التنبّؤ بما قد يحصل في أجواء باتت سريعة الاشتعال منذ أزمة السترات الصفر»، وفق الصحيفة، التي أشارت في مقال آخر إلى مخاوف رئيس الوزراء إدوارد فيليب من «تكرار تجربة عرّابه السياسي، آلان جوبيه، الذي فشل بسبب تصلّبه في فرض مشروعه لإصلاح النظام التقاعدي عام 1995». بدورها، خصّصت صحيفة «لو فيغارو» ملفاً كاملاً لكيفية استعداد المؤسسات لمواجهة «خميس أسود»، وتوقعت نجاح الإضراب، وشلّ حركة وسائل النقل العام. أما «ليبراسيون»، فقد أفردت غلافها وملفاً كاملاً حول الرابحين والخاسرين من المشروع الإصلاحي لماكرون، الذي لم يتّضح بعد بشكل كامل. وخلصت الصحيفة إلى أن الخاسرين هم موظفو قطاع النقل العام والأساتذة والكوادر وأصحاب المهن الحرة.