ليل الخميس، وصل الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بصورة مفاجئة، إلى العاصمة الأفغانية كابول. رسائل عديدة حمَلتها تلك الزيارة الأولى من نوعها، إن لجهة إعلانه استئناف المفاوضات المُعلَّقة مع «طالبان»، أو إشارته إلى موافقة الحركة على أحد شروط حكومة أشرف غني، والمتمثِّل في وقف شامل لإطلاق النار، إلى جانب حديثه المتجدِّد عن رغبته في خفض عديد القوات الأميركية في أفغانستان. لجهة التوقيت، يغلب على زيارة «عيد الشكر» لهذا العام، بعد واحدة مشابهة قام بها إلى العراق العام الماضي، جدول أعمال ترامب الانتخابي، وسط مساعٍ حثيثة من قِبَل هذا الأخير لتحقيق «إنجاز» في السياسة الخارجية، لا يزال غائباً بفعل الضبابية والارتجال اللذين يطبعان استراتيجية الإدارة الأميركية في هذا السياق.وصل ترامب مباشرة إلى قاعدة «باغرام» الجوية شمال كابول، حيث كان الرئيس الأفغاني، أشرف غني، في انتظاره. وغني أُبلغ بأمر الزيارة المقتضبة قبل ساعتين فقط من وصول نظيره. من هناك، أعلن الرئيس الأميركي، أمام جنوده، عودة اللقاءات بين واشنطن و«طالبان»، بعد نحو ثلاثة أشهر مِن تعليقها، مؤكداً أن الحركة الأفغانية تريد إبرام اتفاق، ولكن «لا بد من وقفٍ لإطلاق النار». وفي حين ربط بدء الانسحاب بالتوصل إلى اتفاق، جدّد ترامب رغبته في خفض عديد القوات الأميركية البالغ راهناً بين 12 و13 ألفاً، إلى 8600 جندي.
إعلان الرئيس الأميركي المفاجئ في شأن استئناف مفاوضات السلام يأتي في لحظة حرجة بالنسبة إلى مشروع أميركا العسكري الطويل الأمد في أفغانستان، وفي وقتٍ تغرق فيه البلاد في حالة اضطراب في انتظار الإعلان عن النتائج الأولية للانتخابات الرئاسية التي أُجريت في 28 أيلول/ سبتمبر. يبقى من غير الواضح نطاق أو حتى إمكانيات أيّ مفاوضات جديدة بين واشنطن و«طالبان»، إذا ما استُثني «الوحي» المفاجئ للرئيس الأميركي. من جهتها، لم تصدر «طالبان»، حتى مساء أمس، إعلاناً رسمياً تعلّق فيه على ما ورد على لسان ترامب، إلا أن قيادياً في الحركة أكّد استئناف اللقاءات مع مسؤولين أميركيين رفيعي المستوى في العاصمة القطرية الدوحة منذ مطلع الأسبوع الماضي، على أن تُستأنف محادثات السلام الرسمية قريباً، وفق ما أفاد به القيادي المذكور «رويترز». واكتفى الناطق باسم «طالبان»، ذبيح الله مجاهد، في حديث إلى الوكالة، بالقول إن الحركة «مستعدة لاستئناف المحادثات»، لكنه أشار إلى أن «موقفنا لم يتغيّر»، مشترطاً أن «تُستأنف محادثات السلام من حيث توقّفت». أما غني فلم يذكر إلا القليل عن إحياء محادثات السلام، فهو اشترط وقف القتال، قائلاً بعد اللقاء الذي جمَعه بترامب: «إذا كانت طالبان صادقة في التزامها بالتوصّل إلى اتفاق سلام، فعليها القبول بوقف إطلاق النار». وفي حين أن حكومة كابول تضع وقف إطلاق النار شرطاً رئيسياً لأي اتّفاق محتمل، على رغم غيابها عن المفاوضات، إلا أن الحركة الأفغانية لم تُظهر لغاية الآن أي دليل على استعدادها لتقديم تنازل كهذا، كونها تضع انسحاب الأميركيين شرطاً رئيسياً لأي مفاوضات مع الحكومة حول الدور الذي ستؤديه في المستقبل.
أُبلِغ غني بأمر الزيارة المقتضبة قبل ساعتين فقط من وصول ترامب


من ناحية أخرى، كان لزيارة ترامب بعدٌ سياسي داخلي. إذ إن الرئيس الأميركي الذي ألغى، بصورة مفاجئة، في أيلول/ سبتمبر، اتفاقاً كان وشيكاً مع «طالبان» يؤسّس لانسحاب أميركي من أطول الحروب على «الإرهاب»، يبحث عن إنجازٍ في السياسة الخارجية. إنجاز يمكن صرفه انتخابياً، وخصوصاً أن «مبادراته» في هذا السياق، إن كان المحادثات النووية مع كوريا الشمالية أو سياسة الضغوط القصوى على إيران لدفعها إلى تقديم تنازلات، لم تسفر عن أي نتيجة. من هنا، لم يكن في جعبة ترامب إلا التفاخر أمام جنوده بـ«النجاحات» العسكرية الأميركية ضدّ تنظيمَي «القاعدة» و«داعش»، ثم أشار إلى أن «طالبان» كانت حريصة على التوصل إلى اتفاق سلام، لكنه شخصياً كان غير مبالٍ بالنتيجة. وقال: «طالبان تريد عقد صفقة ــــ سنرى إن كانوا سيعقدون صفقة... إذا فعلوا، فهذا جيّد، وإذا لم يفعلوا، فلا بأس»، مؤكداً أنها مستعدة للموافقة على وقفٍ لإطلاق النار، في انتظار الاتفاق الأكثر شمولاً. أما في شأن اقتراحه الذي قال فيه: «سنبقى طالما لم نبرم اتفاقاً أو حتى تحقيق نصر شامل»، فهذا يُعدّ خروجاً غير مألوف عن تعبيره العلني من الإحباط إزاء «حروب أميركا التي لا تنتهي». لكنه استدرك بالقول إن مصير الحرب في أفغانستان «لن يتقرّر في ساحة القتال»، وإنه في النهاية «ستكون هناك حاجة إلى حلّ سياسي» يقرّره شعب المنطقة. ومنذ قرار ترامب إلغاء المفاوضات، حاول الدبلوماسيون الأميركيون الإبقاء على قنوات اتصال مع «طالبان». في الأسابيع الأخيرة، عُقدت اجتماعات غير رسمية بين الجانبين، على رغم أن أيّاً منهما لم يعترف، علناً، باستئناف مفاوضات السلام.