عودة الأرجنتين إلى حضن اليسار عزّزت من الخوف الأميركي
رجوع الأرجنتين إلى حضن اليسار عزّز من الخوف الأميركي. فعودة اليسار لا تمثّل عملية انتقال عاديّ للسلطة، بل كشفت عن حقيقة الخدعة الأميركية (ما زالت تُسوَّق حتى اليوم) التي تقايض الشعوب بين الولاء الذي يحقق السعادة أو التحدّي الذي يجلب الفقر والانهيار. حينها، صدّق الأرجنتينيون هذه «الأكذوبة»، فأغدق عليهم «السيد الأشقر» مزيداً من الفقر والتضخّم، حتى وصل ثلث الشعب إلى حافة المجاعة. إعادة انتخاب إيفو موراليس في بوليفيا، على الرغم من كلّ محاولات واشنطن الحثيثة لإسقاطه، أصابت الأخيرة بالجنون. فبوليفيا بدأت تجربة اقتصادية ناجحة تناهض كلّ النظريات الاستعمارية؛ فتأميم شركات النفط والغاز وتوزيع ريعها على الاقتصاد المحلي أعطيا هذه الدولة أعلى نسبة نمو في أميركا الجنوبية. ولأن بوليفيا تحوز على احتياط نفطي نادر وشديد الأهمية، قادت واشنطن مع عملائها المحليين انقلاباً عسكرياً أطاح بالرئيس موراليس، وشكّل حكومة يمينية برئاسة النائبة الثانية لرئيس مجلس الشيوخ خيانيني أنييس. وعلى الرغم من مئات الضحايا الذين سقطوا احتجاجاً، فإن المجتمع الدولي أغمض عينيه عن الإعدامات الجماعية والاعتقالات التعسّفية، وأعطى الشرعية لحكومة «العبيد» (حسب قراءة غاليانو)، التي وقبل إقرار أيّ من الإصلاحات الاجتماعية المزعومة سارعت إلى إعادة العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة الأميركية، وفتح سفارة إسرائيلية في لا باز بعد سنوات من إغلاقها احتجاجاً على الجرائم المتتالية للاحتلال ضد الشعب الفلسطيني. الضغط السياسي والعسكري الذي مارسته واشنطن في بوليفيا انعكس سلباً على مرشح اليسار في الأوروغواي، الذي تصدّر استطلاعات الرأي للجولة الرئاسية الثانية. لكن الخوف من التشكيك في نتائج الانتخابات وتطبيق سيناريو لاباز على مونتيفيديو حدّ من نسبة تأييد مرشح الحزب الحاكم دانييل مارتينز، مقابل مرشّح تكتل اليمين لويس لاكالي بو، الذي فاز برئاسة الأوروغواي بفارق بسيط.
خلف كلّ هذه النتائج يكمن الصراع المحتدم بين إرادة شعبية تسعى إلى الأمن والاستقرار وبين مستعمر «جديد»: هو من يحدّد نتائج الانتخابات ونزاهتها، وهو من يحدّد خيارات الشعوب، يغطّي عسكرة بوليفيا ويسلخ الشرعية عن فنزويلا وجيشها، يبارك التظاهرات في نيكاراغوا ويعتبرها تعبيراً شعبياً ويدينها في تشيلي ويصفها بمؤامرة كوبية - فنزويلية، يمنع اللاجئين من دخول أراضيه لكسب العيش ويسمح لنفسه بانتهاك حرمة حدود المكسيك لملاحقة من سمّاهم «الإرهابيين»... بهذا النموذج تتحكّم واشنطن بمصير جيرانها، وتفصّل حكامهم على قياس مصالحها. لكن الواقع اللاتيني يشي بقراءة أخرى أطلقها هذه المرة الزعيم اليساري البرازيلي، لولا دا سيلفا، الذي اعتبر أن اليمين الذي يشكّل ذراع أميركا في المنطقة لا ينتمي إلى شعوب هذه القارة ولا يشبهها في شيء، وأن تسلّطه مسألة لن تدوم طويلاً، حيث إن ثورة الفقراء تلوح في الأفق.