سياق الأزمة الاجتماعية في فرنسا يوهن من قوة الخطاب الأمني الذي يبرّر عادة التدخلات العسكرية
على المستوى العسكري، يبدو أن الجيش الفرنسي يواجه أفقاً مسدوداً. يظهر اليوم تشكيل قوة مشتركة من مالي والنيجر وموريتانيا وتشاد وبوركينا فاسو، مدعومة ومدرّبة ومجهّزة من قِبَل القوات الفرنسية في تموز/ يوليو 2017، على أنه قصة إخفاق كبير. وجود تلك القوة المكلّفة بمراقبة المناطق الحدودية كشف حجم المشكلة المرتبطة بهذه المهمة، خاصة في الـ1400 كلم الفاصلة بين مالي والجزائر، التي ليست عضواً في مجموعة الدول الـ5. هي لا تملك، إضافة إلى ذلك، إمكانات كبيرة للتعامل مع أزمة متعددة ومتشابكة الأسباب (إرهاب وصراعات بين وداخل جماعات عضوية وانتشار الجريمة المنظمة). وتزيد الأخطاء في التنسيق الاستراتيجي من الشكوك حول قدرة القوات المحلية على الحلول مكان القوات الفرنسية التي يُنظر إليها اليوم كقوات احتلال، وتواجه عداءً متصاعداً بين السكان. لم يثنِ هذا الواقع الجنرال كليمان بولي عن المطالبة، في مقال نشره في «لوموند» في 4 تشرين الثاني/ نوفمبر، بإعادة النظر في أشكال الوجود الفرنسي وإعطاء الدور الأول للأطراف المحليين. ويأتي توحيد المجموعات الجهادية في منطقة الساحل منذ سنة 2017 في إطار «جبهة الدفاع عن الإسلام والمسلمين» بقيادة إياد أغ غالي، وهو من الطوارق، لتثبت التجذّر المحلي للظاهرة الجهادية، ولتفُاقم التباينات بين الفرنسيين وشركائهم الماليين. وبينما يحث بعض المسؤولين السياسيين والدينيين في مالي على الحوار مع هذه الجبهة التي تتسع قاعدتها تدريجياً بين السكان، ترفض فرنسا تماماً هذا الخيار. من جهة أخرى، فإن سياق الأزمة الاجتماعية الحالي في فرنسا يوهن من قوة الخطاب الأمني الذي يبرّر عادة التدخلات العسكرية الخارجية أمام الرأي العام.
إصرار باريس على الوجود العسكري المديد في مالي قد يكون نابعاً، بحسب رأي الخبير في معهد الدراسات الاستراتيجية التابع للكلية العسكرية مهدي تاج، من مصالح جيواقتصادية وازنة. وقد لفت تاج منذ 2010 إلى «أهمية الموقع الجغرافي لمنطقة الساحل، والتي تسهّل سيطرة القوى التي تتموضع اقتصادياً وعسكرياً فيها على ثروات بلدان المغرب وغرب أفريقيا». ويتقاطع عالم الاجتماع الفرنسي، ماتيو ريغوست، مع هذا التحليل، في مقال نشره على موقع «شرق 21» بعنوان «ماذا يفعل الجيش الفرنسي في منطقة الساحل؟». يرى ريغوست أن التحكّم في موارد دول أفريقيا جنوب الصحراء، وفي مقدّمتها اليورانيوم في النيجر، والسيطرة على أسواق جديدة، هي بين أبرز دوافع التدخل العسكري الفرنسي. ويعتبر أن هذا التدخل مفيد للصناعيين الفرنسيين وللمجمع الصناعي ــ العسكري، وكان مناسبة لاختبار مقاتلات شركة «داسو» وصواريخ شركة «إم بي دي ا» والدعاية التسويقية لها.