لم ينتهِ الانقلاب في بوليفيا كما تزعم السلطات الجديدة، والوقت ليس وقتاً جيداً لينعَمَ البلد بالسلام والاستقرار. مرّ ما يزيد قليلاً على أسبوعين منذ الانقلاب على إيفو موراليس برعاية ودعم أميركيَّين. أسبوعان من استيلاء اليمين على السلطة كانا كافيين ليتبيّن أن بوليفيا باتت تعيش في ظلّ ديكتاتورية عسكرية يمينية. لذا، فإن الحديث عن انتخابات «نزيهة» واتفاقات «سلام» تشرف عليها هذه السلطة لا ينطوي إلا على حلول وسطٍ خطيرة، ووعود ضئيلة بتقليص قبضة اليمين.مع عودة المجازر في حقّ الهنود (السكان الأصليين) إلى بوليفيا، يُعادُ نبش تاريخ طويل من العداء الدموي. أعادت رئاسة جانين آنيز المعلَنة من طرفٍ واحد إحياءَ العنصرية والممارسات الوحشية، والعقاب الجماعي للغالبية من السكان الأصليين في البلاد، بعدما تجرّأ هؤلاء على تحدّي نظام الأمر الواقع. منذ إطاحة إيفو موراليس، أول رئيس من السكان الأصليين، نفّذ الجيش والشرطة، اللذان قادا الانقلاب، مجزرتين على الأقلّ في حقّ الهنود. في الخامس عشر من الشهر الجاري، فُتحت النار على تظاهرة سلمية في مدينة ساكابا مركز ولاية تشاباري، ما أدى إلى مقتل تسعة أشخاص وجرح العشرات. وفي اليوم الذي تلا المذبحة، أصدرت آنيز مرسوماً يعفي الشرطة والجيش من أيّ مسؤولية جنائية في عمليات «حفظ الأمن». تكرّر ذلك أيضاً يوم الثلاثاء الماضي، حين أمطرت قوات الأمن اعتصاماً ينفّذه بوليفيون أمام مصنع غاز سينكاتا في إل ألتو بالرصاص والغاز المسيل للدموع، ما أسفر أيضاً عن مقتل ثمانية وجرح العشرات. هكذا انتهى الأسبوع الأول من رئاسة آنيز.
أعادت رئاسة جانين آنيز المعلَنة من طرف واحد إحياءَ العنصرية والممارسات الوحشية


يُقدَّر عدد القتلى منذ بدء الاحتجاجات في بوليفيا في 20 تشرين الأول/ أكتوبر (فوز موراليس بولاية رابعة) بأكثر من 30، إلى جانب عشرات المفقودين، وأكثر من 700 جريح، وما يقرب من ألف معتقل، غالبية هؤلاء من السكان الأصليين. في المرة الأخيرة التي قُتل فيها هذا العدد من الهنود على أيدي السلطات، كان كارلوس ميسا، زعيم المعارضة الحالي في بوليفيا، نائباً للرئيس. حدث ذلك في عام 2003، حين قُتل أكثر من 60 شخصاً من شعوب «أيمارا» التي تعود جذور موراليس إليها، خلال «حرب الغاز». خطة الرئيس غونزالو سانشيز دي لوزادا لبيع صادرات النفط والغاز عبر مجموعة من الشركات متعدّدة الجنسيات إلى الولايات المتحدة، أدّت إلى انتفاضة شعبية للمطالبة بتأميم الموارد الهيدروكربونية في بوليفيا، ما أجبر الرئيس على الاستقالة حينها. هذه المذابح دفعت ميسا إلى القول: «لا يمكنني قبول القتل كردّ فعل على الضغوط الشعبية». مع الوقت، يبدو أن ذلك تغيّر. رفض ميسا خسارته في الانتخابات الأخيرة أمام موراليس، وكرّر الدعوة لإعادتها، إلى أن أصبح أوّل من يعترف بالرئيسة الانقلابية. ومن وقتها، لا يزال صامتاً في شأن تصرفات آنير الاستبدادية وتحالفها مع اليمين المسيحي المتطرف، وعلى رأسه المليونير لويس فرناندو كاماتشو، وموافقتها على المجازر في حقّ السكان الأصليين.
لا شكّ في أن الرغبة في إطاحة موراليس والحركات الاجتماعية للشعوب الأصلية التي أوصلته إلى السلطة، موجودة منذ سنوات. وقعت أوّل محاولة انقلاب في عام 2008، عندما حاولت ميديا ​​لونا، التي تتألّف من المناطق الأربع التي تسيطر عليها المعارضة في الشرق حيث يتركز معظم السكان من أصل أوروبي، الانفصال عن البلاد. ظهرت الحركة الانفصالية العنصرية وسط صياغة دستور جديد، اعترف ببوليفيا دولة متعدّدة القوميات، مع وضع متساوٍ للشعوب الأصلية في الاستفادة من الموارد الطبيعية. تحوّلت المنطقة إلى تمرّد مفتوح، في محاولة لتقسيم البلاد إلى دولتين: دولة ثرية يسيطر عليها أحفاد الأوروبيين، حيث توجد صناعة نفط وغاز وأعمال زراعية، وأخرى ذات غالبية فقيرة من السكان الأصليين.
أسبوعان بعد الانقلاب، لا يزال المشهد في بوليفيا مفتوحاً على احتمالات عدة، ليست الحرب إلا أحدها. ولذا، فإن موافقة الكونغرس بغرفتَيه على إجراء انتخابات جديدة لا تعدو كونها «حلّاً وسطاً» خطيراً مع وعود ضئيلة بتقليص قبضة اليمين. في الواقع، فإن أيّ انتخابات تجرى تحت إشراف سلطة الأمر الواقع هذه لن تكون «حرة» ولا «نزيهة»، كما وعدت حكومة الرئيسة الموقتة التي تشرّع قتل السكان الأصليين وسجن قادة الحركات الاجتماعية، وتتهم أي شخصٍ يعارضها بالتحريض على الفتنة أو الإرهاب. يمكن سوق هذا أيضاً على إعلان الحكومة ذاتها إبرام «اتفاقات سلام» مع 12 من قادة السكان الأصليين والمزارعين والنقابات الذين شاركوا في حوارٍ بدأ السبت، وخلص إلى موافقة آنيز على سحب الجيش من مناطق الاحتجاجات، وإلغاء مرسوم يمنحه سلطات واسعة لاستخدام القوة، في إطار اتفاق «تهدئة» مبدئي أُبرم يوم الأحد، في مقابل إزالة الحواجز وفتح الطرق الرئيسة المغلقة منذ الانقلاب.