مقابلة مع السفير الكوبي لدى لبنان، ألكسندر بيليسر موراغا، يتحدث فيها عن الانقلاب العسكري الذي حصل السبت الماضي في بوليفيا، وأدى إلى استقالة الرئيس إيفو موراليس، والقراءة الكوبية حول خطط واشنطن في أميركا اللاتينية

كيف تقرأ كوبا ما جرى في بوليفيا؟
لا يمكن قراءة المشهد في بوليفيا اليوم إلّا على أنه انقلاب عسكري مموّل من الولايات المتحدة الأميركية التي تسعى الى تحقيق مصالحها في بوليفيا بشكل خاص وأميركا اللاتينية بشكل عام. فواشنطن لطالما كانت تنظر إلى أميركا الجنوبية على أنها حديقتها الخلفية، كما أنها تعطي لنفسها الحق في التدخّل بشؤون أي بلد هناك.

كيف تدخّلت الولايات المتحدة؟
كما في الانقلابات السابقة التي نفذتها واشنطن، كان الجيش البوليفي والشرطة سهلين للاختراق، وتأليبهما على الرئيس إيفو موراليس. انتهى الأمر بإيفو مستقيلاً بعد تآمر الجيش والشرطة عليه اللذين وقفا متفرجين على المعارضين عندما نزلوا إلى الشارع، حتّى عند وصولهم إلى منازل المسؤولين والوزراء وإحراقها. إضافة إلى ذلك، فإن كبار الجنرالات في الجيش والقياديين في الشرطة، يذهبون إلى الولايات المتحدة في فترة تدريبهم، حتى إن قائد الجيش البوليفي ويليامز كاليمان، تسلّم منصب الملحق العسكري لمدة أربع سنوات في سفارة بلاده لدى واشنطن، الأمر الذي يفسر علاقة مباشرة مع الأميركيين. أنا شبه متأكد من أن واشنطن اتصلت بكاليمان، معطية الأمر بأن يُعلم الأخير، موراليس، بضرورة استقالته وحتميّتها.
الأمر الثاني يتعلق بالفئة الشعبية المتوسطة والغنية التي برز دورها. بشكل عام، هناك مجموعة من الأغنياء في أميركا اللاتينية دائماً كانت تخضع لأوامر الولايات المتحدة، وهذه المجموعة لها تأثيرها على الشارع. هذا الأمر الذي حصل في البرازيل، مع الرئيس السابق لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، تكرر أيضاً قبل أسبوع مع الرئيس البوليفي، بحيث إن الإصلاحات التي اتبعها كانت سبباً في صعود فئة من الشعب من الطبقة الفقيرة إلى الطبقة المتوسطة والغنية. هذه الطبقة التي لم تنفك تطلب أكثر، هي التي انقلبت على لولا في البرازيل، ومن ثم على موراليس في بوليفيا. وبالتأكيد كان هناك تأثير خارجي على هؤلاء. وهنا، يبرز التناقض، بحيث أن يطيح هؤلاء من كان هو سبب خلاصهم ورفاهيتهم.

إنشاء قوات مسلحة رديفة للجيش كان سيساعد في إحباط الانقلاب في بوليفيا؟
الوضع البوليفي يختلف عن بقية الدول التي أنشأت قوات شعبية مسلحة، إذ إن المعارضة في بوليفيا لها ثقلها. إيفو فكّر على مدى أربعة عشر عاماً بأن ينشئ هذه القوات، لكّنه في كل مرة كان يخاف من أن تُثار المشاكل على إثر هذا القرار. كان يخشى أنه يُفهم قراره على أنه شكل من أشكال الحماية للبقاء في السلطة. إضافة إلى ذلك، موراليس كان لديه ثقة عمياء بالجيش ولم يكن يتوقع هذه الخيانة.


ما الذي دفع موراليس إلى اتخاذ قرار الاستقالة؟
انسحب إيفو من السلطة حقناً للدماء، وخاصة بعدما وصل الأمر بالمعارضين الى أن يقوموا بخطف عائلات المسؤولين والوزراء المقربين من موراليس، ومن ثم الاتصال به وتهديده بقتلهم إذا لم يتخلّ عن السلطة، وهو الأمر الذي أعلنه إيفو بنفسه. وبهذه الطريقة أُجبر على الاستقالة.

ما هي احتمالية عودة موراليس إلى الحكم؟
إلى الآن، استقالة موراليس ليست شرعية، إلا إذا صادق مجلس النواب عليها، وهذا الشيء الذي لم يحصل بعد، بحيث إن النواب رفضوا هذه الاستقالة (بحكم أنهم مقرّبون من موراليس)، ولم يتم حتّى الآن اختيار رئيس يقود المرحلة الانتقالية. في المقابل، بات واضحاً بعد إعلان زعيمة المعارضة جانين آنييز، نفسها رئيسة مؤقتة للبلاد، أن السيناريو الفنزويلي سيتكرر في بوليفيا، بِفارق أنهم لم يستطيعوا إقالة الرئيس نيكولاس مادورو.
في طريقه إلى المكسيك، قال موراليس إنه حتماً سيعود إلى بوليفيا. حتماً إنه يفكّر بالعودة. في بوليفيا أكثرية الشعب تريد موراليس، كما في البرازيل إذ إن الأكثرية أيضاً تريد لولا. اليوم، تغص لاباز وكل المناطق بالمناصرين لموراليس، الذين نزلوا إلى الشارع للمطالبة بعودته عن الاستقالة وإنهاء هذا الانقلاب. إلا أن هناك جهات إعلامية عالمية مسيّسة لا تنقل هذا المشهد بل نقيضه. حتى الآن ليس معروفاً ما الذي سيحصل في البلاد في الأيام المقبلة. المنطق يقضي بإجراء انتخابات جديدة. لكن يبقى الرهان في عودة موراليس إلى السلطة، على بقاء مجلس النواب متمسكاً بموقفه وعدم التصديق على الاستقالة، إضافة إلى ضغط مناصري موراليس على الحكومة، وعدم الخروج من الشارع. لكن في المقابل لن تتراجع المعارضة والولايات المتحدة عن انقلابها وستستمر في تجاهل القانون. وهذا السيناريو سيلاقي دعم أميركا والدول اليمينية في أميركا اللاتينية مثل: كولومبا، تشيلي، إكوادور، بيرو وغيرها من الدول المقربة من الأميركيين.

بماذا يختلف الوضع في بوليفيا عن كوبا؟
الوضع في كوبا يختلف كثيراً عن باقي الدول، إذ إن المعارضة الشعبية في كوبا شبه معدومة، على عكس فنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا. حتى إن اختراق الأميركيين للناس على مدى أعوام لم يجد نفعاً. حدث أكثر من مرة أن أرسلت واشنطن أمولاً لكوبيين فكانوا يصرفونها على رفاهيتهم من دون تحقيق أي اختراق في الشارع. منذ ما يزيد على 60 عاماً تحاول الولايات المتحدة تأليب الكوبيين على النظام والثورة، إلّا أنها لم تنجح، ولن تنجح.

ما طبيعة العلاقة الكوبية ــــ الأميركية اليوم؟
يعلم الكوبيون أن كل ما يفعله الأميركيون في أميركا اللاتينية هو لاستهداف كوبا. من ناحية، تريد واشنطن إسقاط الأنظمة اليسارية في دول الجنوب الأميركي، واستبدالها بالأنظمة اليمينية التابعة لها للاستفادة من ثرواتها. ومن ناحية أخرى تعلم واشنطن أن كوبا هي المسؤولة عن تصدير الفكر الاشتراكي والداعم الأول لهذه البلدان. وفي كل يوم يمرّ، تتراجع العلاقة الأميركية ــــ الكوبية، حتى يمكن القول إنها باتت في وضع حرج جداً، وخاصة بعد الإجراءات والعقوبات الجديدة التي اتخذت بحق كوبا أخيراً، وتشديد الحصار الاقتصادي عليها بهدف تركيعها.

كيف ترى الوضع الاقتصادي في كوبا حالياً؟
هناك بالطبع تراجع اقتصادي، وذلك يعود إلى العقوبات الأميركية المفروضة علينا. ألحقَ الحصار بين شهر نيسان/ أبريل 2018 وشهر آذار/ مارس الماضي، خسائر بكوبا تبلغ قيمتها نحو أربعة مليارات و343,6 مليون دولار. وضعت إدارة دونالد ترامب عقوبات على أي شركة تنقل بترولاً إلى كوبا، الأمر الذي أدى إلى أزمة شح في المحروقات، لكن استطعنا تخطّيها من خلال القيام بإجراءات مثل: تخفيض ساعات العمل في المؤسسات والوزارات التابعة للدولة، وذلك لتوفير استخدام الكهرباء، كما قلّلنا من استخدام وسائل النقل. رغم ذلك لم تنقطع الكهرباء عن المنازل لحظة. وهذا دليل كافٍ على مدى جاهزية الكوبيين لمواجهة أي تدابير أميركية مضادة، اقتصادية كانت أو سياسية. يظن الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنه بعقوباته يمنع كوبا من التطور، لكن ما إن تزر هافانا حتى تعلم أنه مخطئ، إذ إن هناك اليوم تحسينات كبيرة في البنى التحتية والشوارع. اليوم الملك الإسباني في كوبا، وهذا دليل على أن كوبا تتمتع بعلاقة جيدة مع كل دول العالم ما عدا الولايات المتحدة. كما أن هناك تحضيراً لمشاريع روسية وصينية كبيرة ومشاريع للاتحاد الأوروبي في كوبا، وهو الأمر الذي سينعش الاقتصاد في البلاد.