أسدلت إيران الستار عن تفاصيل الخطوة الرابعة في مسار خفض التزاماتها بالاتفاق النووي، إذ جدّدت أمس العمل في مفاعل «فوردو» بعد أن أوقف اتفاق 2015 العمل في المفاعل الواقع في قلب منطقة جبلية محصّنة بالقرب من مدينة قم. التَّحلّلُ الجديد من أحد قيود الاتفاق لا يزال تحت رقابة «الهيئة الدولية للطاقة الذرية» التي حضر مراقبوها أثناء نقل ألفي ليتر من غاز «يو أف 6» من منشأة «نطنز» إلى القاعة الخاصة بضخّ الغاز في «فوردو». وهذا ما كان قد وعد به الرئيس حسن روحاني، قائلاً إن «نشاطاتنا النووية الجديدة ستكون أيضاً بإشراف ومراقبة الوكالة الدولية»، الأمر الذي يعني أن الجمهورية لا تسعى حالياً إلى طرح كل الأوراق التي في جعبتها، ولا سيما أن سقف الرقابة الدولية على البرنامج النووي هو الوحيد الذي لم تخرقه في سياق الخطوات التصعيدية التي دشّنتها مطلع أيار/ مايو الماضي، بعد عام على الانسحاب الأميركي من الاتفاق.الخطوة النووية جاءت بسقف مرتفع فاجأ الجميع، لأهمية «فوردو» كونها منشأة سرية تم الكشف عنها عام 2009، بعد أن تكرر الحديث بشأنها في الدوائر الإعلامية المقرّبة من الاستخبارات الغربية، فضلاً عن أنها المنشأة التي كانت سابقاً مسؤولة عن تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%. رغم ذلك، تبقى خطوة مضبوطة تحت إطار عدم الذهاب إلى سحب كمامة التنفس الاصطناعي التي يعيش عليها الاتفاق منذ أكثر من عام ونصف عام، ما يثير تساؤلات حول الأسباب التي تجعل طهران محجمةً عن خطوات تنعى بها الاتفاق. المحلل السياسي الإيراني حسين رويوران، أجاب في حديث إلى «الأخبار، بالقول: «إيران تسعى بهذا السقف المضبوط إلى تعرية أوروبا»، إذ أن «المساعي الإيرانية ستتعثر في حال اتخذت طهران إجراءات تلغي الاتفاق»، لأن خطوة من هذا القبيل ستؤدي إلى «خلق إجماع دولي ضد إيران». أمر يؤيده الصحافي الإيراني سياوش فلاحبور، عندما يبيّن، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الخروج من الاتفاق النووي سيساعد أميركا وإسرائيل على خلق إجماع عالمي ضد إيران، ما سيسهل عليهما تنفيذ سياساتهما».
يبقى في جعبة إيران ورقة التخصيب بنسبة 20% وتشغيل «آراك»


فلاحبور أقرّ بوجود «دعوات إيرانية داخلية لتغيير سياسة إنقاذ الاتفاق النووي التي تتّبعها حكومة حسن روحاني منذ دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض»، لكنه في الوقت نفسه لا يُرجح «إمكانية استجابة روحاني لهذه الدعوات»، لأن الأخير يتّبع سياسة «الصبر الاستراتيجي» التي لم يُلمس حتى الآن دليل على تغيير طهران لها، كما يرى، فضلاً عن توقعه أن تتمسك إيران بهذه السياسة حتى الانتخابات الأميركية نهاية العام المقبل. والسبب، كما يؤكد الكاتب الإيراني حسن هاني زاده هو أن «استمرارية التعاون بين إيران والاتحاد الأوروبي مرهونة بمستقبل ترامب». يقول زاده لـ«الأخبار»، إن «إيران ترى في خروج ترامب من المشهد، سواء عبر الانتخابات أم استجواب الكونغرس له، فرصة قد تساعد في حلول شخصية معتدلة، ما قد يترك أثراً ايجابياً على جهود الدول الأوروبية الساعية إلى تعويض إيران عن الأضرار الاقتصادية التي تعرضت لها بسبب العقوبات الأميركية».
في هذا السياق، يربط عدد من المراقبين مستوى التصعيد الإيراني أمس بالأنباء المنشورة قبل أسابيع في صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، والتي أفادت بأن الترويكا الأوروبية الموقّعة على الاتفاق (فرنسا، ألمانيا وبريطانيا) هدّدت بإعلان انسحابها في حال نفّذت الأخيرة خطوتها الرابعة. هذا ما لا يستبعده فلاحبور، لكن رويوران وزاده يتفقان على أن «أوروبا لا تستطيع تهديد إيران وثنيها عن تنفيذ استراتيجيتها الخاصة بتقليص الالتزامات النووية». يُضيف رويوران في هذه الجانب: «إيران لا تخشى الانقلاب الأوروبي على الاتفاق، لأن سلوك أوروبا لن يتغير، فهي تفرض على إيران كل ما تفرضه أميركا، لكن بديكور إيجابي». أما هاني زاده، فيرى أن «الخروج الأوروبي هو تحصيل حاصل من وجهة نظر طهران»، ولذلك «التهديد الأوروبي بالخروج لا يؤثر في خيارات إيران».
الجدير ذكره أن روحاني، وإن كان قد أعطى خلال إعلانه تفاصيل الخطوة الرابعة مهلة شهرين للأوروبيين من أجل التفاوض (حول إيجاد حل لبيع النفط الإيراني وتحويل الأموال المصرفية)، فإنه لم يتحدث عن خطوة خامسة في نهاية هذه المهلة كما جرت الأمور في المهل الثلاث السابقة، وهذا ما اعتبره فلاحبور «رسالة تحذيرية للدول الأوروبية». قيمة التحذير الإيراني تظهر في ما تملكه الجمهورية من خيارات على صعيد برنامجها النووي. ففضلاً عن سقف الرقابة الدولية الذي لم تخرقه حتى الآن، فإن مساحة الخروقات كذلك لم تتوسّع في بعض السقوف السابقة كنسبة تخصيب اليورانيوم الذي تخطّت فيه إيران حاجز 3.67% لتصل إلى 4.5% فقط، وذلك يُبقي في جعبتها ورقة التخصيب بنسبة 20% التي كشف رئيس «هيئة الطاقة الذرية الإيرانية»، علي أكبر صالحي، قبل أيام، عن قدرة بلاده على فعلها خلال أربع دقائق، رابطاً التوجه نحو هذا السبيل بـ«انتهاء احتياطي اليورانيوم المخصّب بنسبة 20%، الذي يحتاج إليه مفاعل طهران». في الوقت نفسه، يُرجح الكاتب زاده أن «يؤول فشل المفاوضات المقبلة مع أوروبا إلى إقدام طهران على رفع نسبة التخصيب إلى 20%، إلى جانب تشغيل مفاعل آراك للماء الثقيل»، وعندئذ «ستعود الأمور إلى ما قبل اتفاق جنيف» الموقّع في تشرين الثاني/نوفمبر 2013.