طهران | بموازاة الوساطة الباكستانية وما تحمله من أجواء «إيجابية» ربما تنعكس إقليمياً أكثر منها دولياً على الأزمة بين طهران وواشنطن، تتجه الأنظار بعد أيام نحو المفاوضات الإيرانية ــــ الأوروبية. فمع تأكيد إيران الاستمرار في عملية خفض تعهداتها الواردة في الاتفاق النووي، واعتزامها اتخاذ «الخطوة الرابعة»، لم تستطع الوساطة الأوروبية، وعلى وجه الخصوص الفرنسية بين إيران والولايات المتحدة، إحراز نتيجة كاملة.بحسب تصريحات المسؤولين الإيرانيين خلال الأيام الأخيرة، فإن طهران جاهزة لاتخاذ «الخطوة الرابعة» مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر على طريق خفض التزاماتها النووية، في حالة عجز أوروبا عن توفير المصالح الإيرانية المنصوص عليها في الاتفاق، ولا سيما بعد الانسحاب الأميركي منه. وقال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، عباس موسوي، إن الأوروبيين «لم يفوا بالتزاماتهم كما يجب، وربطوا جميع أعمالهم ومبادراتهم بشرط غير مكتوب، لكنه محسوس ومشهود ويُدعى الرد الإيجابي للرئيس الأميركي. لقد أنجزنا تصاميمنا ووضعنا السيناريوات اللازمة، وفي حالة استمرار المسار الحالي وعجز الأوروبيين، فإنه سيتم اتخاذ الخطوة الرابعة». بدوره، أكد المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمالوندي، أن «الخطوات اللاحقة هي في الطريق في حال عدم اتخاذ الأطراف الأخرى الإجراءات اللازمة». وكان المرشد علي خامنئي قد أعلن قبل أيام، لدى استقباله قادة الحرس الثوري، أن خفض التعهدات النووية سيستمرّ «بجدية تامة» حتى الوصول إلى «النتيجة المرجوة».
ويعني التخفيض في إطار «الخطوة الرابعة» استكمالاً لمسلسل تخفيض الالتزامات ردّاً على الانسحاب الأميركي والعقوبات، والذي أقدمت طهران على ثلاث مراحل منه على مدى الأشهر الخمسة الماضية، شملت زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم من 3.67% المسموح به في الاتفاق إلى 4.5%، وكذلك تخطي مستوى الـ 300 كلغ من احتياطي اليورانيوم المخصّب. خطوات تلاها تزايد المحاولات الأوروبية للحدّ من مواصلة إيران هذا المسار، وأهمها الجهود الفرنسية لتقديم محفزات، بما فيها منح 15 مليار دولار كخط ائتمان لشراء النفط من إيران، وهو المشروع الذي لم يُكتب له النجاح بسبب عدم الحصول على ترخيص من واشنطن، فضلاً عن اعتبار إيران المبادرة «ناقصة». الأهم، بعد كل ما تقدم، أن محاولات الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لعقد لقاء بين الرئيسين الإيراني والأميركي باءت بالفشل، في وقت كانت فيه تقارير غربية تتحدّث عن توجيه الترويكا الأوروبية تحذيراً لطهران بالانسحاب من الاتفاق النووي إذا ما أقدمت إيران على «الخطوة الرابعة».

هل يتم تفعيل آلية «الزناد»؟
يرى بعض المحللين أنه إذا اتخذت إيران «الخطوة الرابعة»، فإن أوروبا ستقترب من ممارسة الضغط عليها. وفي وقت سابق، أعلن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، أن الأوروبيين حذّروا من أنهم سيستخدمون آلية «الزناد» (مشروع رفع شكوى ضد إيران لدى مجلس الأمن الدولي واحتمال عودة العقوبات الدولية ضدها) إذا خفضت طهران من تعهداتها النووية. لكن رئيس تحرير وكالة «مهر» الإيرانية، محمد مهدي رحيمي، يستبعد أن تلجأ أوروبا إلى آلية «الزناد». ويقول لـ«الأخبار» إن تجربة الأشهر الأخيرة أظهرت أن طهران «كلّما تقدمت بقوة أكبر إلى الأمام، تراجعت الأطراف الأخرى، وعليه فإن الأوروبيين سيتجهون على الأرجح نحو زيادة قيمة حزمتهم المعروضة على إيران». ويضيف: «الأوروبيون بصدد الحفاظ على الاتفاق النووي، وبغض النظر عما إذا كان هذا الاتفاق، وكما يزعم الأوروبيون، قد أدى إلى تقييد إيران، فإن الأوروبيين يعتبرون الاتفاق النووي حصيلة عملية قاموا بإدارتها بأنفسهم، وبالتالي فهم يريدون حماية هذا المكسب». ويعتبر أنه في الوقت ذاته «المشكلة الرئيسة لأوروبا تتمثل في فقدان الاستقلالية والتبعية لأميركا في اتخاذ قراراتهم الرئيسية».
تجربة الأشهر الأخيرة أظهرت أنه كلّما تقدّمت طهران بقوة أكبر، تراجعت الأطراف الأخرى


في المقابل، ينبّه أستاذ الدراسات الشرق أوسطية في جامعة طهران، حسن أحمديان، في حديث إلى «الأخبار»، إلى أن الانسحاب التدريجي لإيران من الاتفاق «سيجعل بطبيعة الحال أوروبا أقرب إلى أميركا من إيران». مع ذلك، فإنه لا يرى فرقاً كبيراً: «إذ إن التهديدات الأوروبية جوفاء بالكامل، والتساؤل الأول هو ما هي العقوبات التي ستعيدها آلية الزناد والتي لا تمارَس الآن ضد إيران؟ والجواب: لا شيء تقريباً. إن استخدام أوروبا لآلية الزناد قادر فقط على تحويل العقوبات الأحادية الأميركية التي كان لها نتائج أكثر تدميراً ضد الاقتصاد الإيراني من العقوبات الدولية السابقة للأمم المتحدة حتى، إلى عقوبات دولية. لكن لا شيء سيضاف إلى هيكلية العقوبات المفروضة الحالية». تساؤل ثانٍ يطرحه أحمديان، وهو: ماذا أفاد ابتعاد أوروبا عن أميركا لحدّ الآن حتى يعمل الاقتراب منها على تبديد تلك الفائدة؟ يجيب بالقول: «على أرض الواقع، فإن جميع العقوبات الأحادية الممكنة قد مورست ضد إيران، فقد توقف شراء أوروبا للنفط الإيراني، كما واكبت أوروبا عملياً السياسات الأميركية الأحادية في فرض العقوبات... على الرغم من أنه لا يمكن القول إن إيران غير مهتمة بالتوجه الأوروبي، لكن يمكن القول حتماً إن اقتراب أوروبا من أميركا لن يكون مقلقاً بالنسبة الى إيران كما كانت عليه الحال في السابق».

تصاعد التوتر
على الرغم من استمرار سياسة «الضغوط القصوى» الأميركية ضد إيران، وأيضاً استمرار عملية خفض التعهدات الإيرانية في الاتفاق النووي، فإن ذلك لا يعني أن التوترات ستتصاعد، وأن الآليات الدبلوماسية ستفقد بريقها، بحسب رحيمي. فالأخير يرى أنه «بالرغم من أن المسار الدبلوماسي يضيق، لكن هذا لا يعنى التحرك باتجاه النزاع العسكري، لأن الصراع العسكري المحتمل سيجري تحت إدارة أميركا، لكن يبدو أن العسكريين الأميركيين واعون بالأثمان والمشاكل الناجمة عن الدخول في مواجهة عسكرية مع إيران، وذلك بسبب أبعادها الواسعة، كما أنه لا تتوفر لديهم هذه الجاهزية والدوافع». ويستشهد رحيمي بتجربة الأشهر الستة الأخيرة عسكرياً وسياسياً، حيث إن «الضربات المُوجّهة للغربيين لم تمنعهم عن الرد فحسب، بل تسببت في تراجعهم ومحاولتهم من خلال السبل الدبلوماسية وتقديم محفزات صرف إيران عن تكثيف إجراءاتها».
على العكس من ذلك، يتوقّع أحمديان أن تتصاعد التوترات في الحقبة المنظورة، ولا سيما إقليمياً. ويلفت إلى أن الاتفاق النووي «قد توقف عملياً، ومع ذلك فإن أيّاً من أطرافه لم يرغب لحدّ الآن بالإشهار عن هذه الحقيقة». ويتابع: «على الأمد القصير، الاتفاق النووي سيستمر على وضعه الحالي، بعبارة أخرى لن تنفذ أوروبا التزاماتها، ولا إيران ستتخلى عن خطواتها المعلنة لخفض تعهداتها. وهذه الظروف ستستمر حتى التوقف الكامل للتعهدات الإيرانية في الاتفاق». ويستبعد أن تعلن إيران رسمياً انسحابها من الاتفاق، «لكن الوقف التام للتعهدات سيعني ذلك عملياً، وبالتالي يمكن توقع تصاعد التوتر، لأن إيران لا تريد ولا ترى أن ثمة سبباً يدعوها للتخلي عن سياستها، فيما أوروبا عاجزة وأميركا لا تملك الخطة B (البديلة)». وبحسب أحمديان، فإن «توقّع الأوروبيين والأميركيين غياب ردة فعل من إيران على ممارسة الضغط عليها هو توقّع ظهر خلال الأشهر الأخيرة أنه خاطئ. لذلك، فإن تصاعد التوتر، واستخدام جميع الأدوات المتاحة للضغط المتبادل سيكون أحد الخيارات الرئيسة في المناخ المتوتر الحالي».