في الوقت الذي تعمل فيه إدارة دونالد ترامب على شدّ العصب الجمهوري، في مواجهة إجراءات العزل التي يقوم بها الديموقراطيون، يبدو أن المشرّعين الجمهوريون يشعرون بالحيرة أمام كيفية التعاطي مع هذا التطوّر. يُمسك هؤلاء في مجلس الشيوخ بمستقبل ترامب السياسي، ويبدو أنهم ما زالوا أوفياء له رغم أصوات نادرة ارتفعت لانتقاده في قضية أوكرانيا. غير أن دعمهم له هذه المرة يبدو خجولاً، لا بل مرتبكاً أحياناً. فقد وضعهم سلوك ترامب الرامي إلى الضغط على قوة أجنبية لاستهداف خصمٍ سياسي، في مكان سيّئ ليس من السهل الخروج منه، أو التحرّك فيه. بناءً عليه، تستعد غالبية المشرّعين لمعركة طويلة، «يقودها جنرال غالباً ما تكون أوامره مربكة ومتناقضة»، على حدّ تعبير صحيفة «ذي واشنطن بوست»، التي أشارت إلى أنه في الوقت الذي يناقش فيه أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون هذا التطوّر معتمدين على تقديرات دستورية وأخلاقية، إلا أن حساباتهم السياسية تبقى الأساس. في هذا المجال، لفتت الصحيفة إلى أنه «حتى لو أظهرت الاستطلاعات دعماً لعزل ترامب، لكن سلطته على القاعدة الجمهورية لا تزال غير قابلة للتشكيك»، الأمر الذي يُحتّم على المشرّعين الجمهوريين عدم التجرّؤ على تخطّيه. وقد تبدّى ذلك في مختلف أنحاء البلاد، حين ردّت غالبية هؤلاء على الأسئلة المتعلّقة بسلوك ترامب، بدرجات مختلفة من الصمت أو التسليم.
إلى الآن، تعتمد استراتيجيتهم الجماعية على النجاة، وعدم القيام بأي خطوة متسرّعة وغير محسوبة. فقد فوجئ العديد منهم، فيما كانوا يزورون دوائرهم الانتخابية خلال عطلة الكونغرس، بسخط على ترامب. مثلاً، توجّهت إحدى الناخبات إلى السناتورة الجمهورية جوني إيرنست، خلال تجمّع عام، يوم الخميس في ولاية أيوا، بقولها: «تبقين هنا صامتة، وصمتك يدعمه»، مثيرة تصفيق المشاركين في الجلسة. وأجابت السناتورة جالسة بوجوم: «لا يمكنني التكلم عنه»، فقاطعتها المرأة الشابة بحسب مقطع فيديو نقلته صحيفة «ذي واشنطن بوست»: «لكن يمكنك التكلم عن نفسك. متى ستقولون كفى؟».
حتى الحليف الوفي ليندسي غراهام قال إنه لا يساند طلب المساعدة من الصين


ترامب، وفي مواجهة أزمة خطيرة تحاصره، اختار التصعيد، فاقترح أن تحقق الصين أيضاً بشأن بايدن وابنه هانتر. وحين سألت الناخبة السناتورة عن هذا التصريح الذي كان له وقع الصدمة، التفّت إيرنست على السؤال فلمّحت إلى مزاعم الفساد التي يردّدها الرئيس بحق بايدن وابنه من دون أن يدعمها بأي دليل. وقالت السناتورة: «لا يهم أين يحصل الفساد، يجب محاربته أينما كان». وذلك هو بصورة عامة فحوى الهجوم المضاد الذي ردّده الجمهوريون بشكل واسع في الأيام الماضية، مستخدمين أحياناً الحجج ذاتها في ردّهم على الأسئلة. كذلك، أظهر ترامب تحدياً في دفاعه عن نفسه، مصرّاً على أن سلوكه مع القادة الأجانب كان «ممتازاً»، وزاعماً أن هناك مؤامرة أوسع يقودها الحزب الديموقراطي، ومجتمع الاستخبارات ووسائل الإعلام المحلية، من أجل إجباره على مغادرة البيت الأبيض. لكن ما يبدو واضحاً أن العديد من المشرّعين الجمهوريين لم يرغبوا في تكرار النقاط الصادرة عن البيت الأبيض، على اعتبار أنها تفتقر إلى المصداقية، الأمر الذي يثير القلق من تناقضٍ قد يواجهونه، مع اكتشافات جديدة قد تتعلّق بسلوك الرئيس. بناءً عليه، تُظهر ردود الفعل المحمومة الصادرة من الجمهوريين، كيف يتحرّك هؤلاء حالياً وحدهم، من دون توجيه من قبل البيت الأبيض، أو من القيادة في الكونغرس.
لذا، يبقون ضمن العموميات في تعليقاتهم ويتهرّبون من الإجابة حين يتعلّق الأمر بالدفاع بشدة عن الرئيس. حتى الحليف الوفي للرئيس الجمهوري السناتور ليندسي غراهام، الذي غالباً ما يشنّ هجمات حادة النبرة دفاعاً عنه، قال الخميس لصحيفة «ذي واشنطن بوست» إنه لا يساند طلب المساعدة الذي وجّهه ترامب إلى الصين، داعياً بكين إلى التحقيق بشأن بايدن. وقال بإحراج: «الرئيس يدافع عن نفسه. يشعر أن الجميع يحاول الإيقاع به طوال الوقت، في حين أنه لم يرتكب أي خطأ». غير أن بعض الأصوات يجرؤ على تحدي ترامب. فقد أعلن المرشح الجمهوري السابق للرئاسة ميت رومني، الذي انتخب في مجلس الشيوخ بغالبية كبيرة عام 2018، أن «دعوة الرئيس المعيبة وغير المسبوقة للصين وأوكرانيا من أجل أن تحققا بشأن جو بايدن خاطئة ومروّعة». وانضم السناتور الجمهوري بن ساس، الذي ينتقد الرئيس بانتظام، إلى الأصوات المندّدة، ولو أنه يجازف أكثر كونه مرشحاً لانتخابات عام 2020. وكتب في مقالة نشرتها صحيفة «أومها وورلد هيرالد» إن «الأميركيين لا يبحثون عن الحقيقة لدى الشيوعيين الصينيين».
وبموجب آلية العزل في الولايات المتحدة، يتحتّم على مجلس النواب أولاً التصويت على توجيه «تهمة» إلى الرئيس، وبعد ذلك تجري «محاكمة» في مجلس الشيوخ استناداً إلى هذه «التهمة». وأقرّ ترامب نفسه في تصريح علني، الجمعة، بأنه قد يواجه اتهاماً على ضوء الغالبية الديموقراطية في مجلس الشيوخ، وتابع موجهاً تهديداً يكاد يكون صريحاً إلى الجمهوريين في مجلس الشيوخ الذين قد يفكرون في التخلّي عنه. وقال: «لدي نسبة شعبية قدرها 95% في الحزب الجمهوري». ويتحتّم على الديموقراطيين من أجل عزل ترامب إقناع ما لا يقل عن عشرين سناتوراً جمهورياً بالتصويت معهم، على أن يصوّت الديموقراطيون على الإقالة كتلة واحدة بالإجماع. وهذا احتمال يبدو مستبعداً للغاية. وفي هذا المجال، اغتنم زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل الفرصة لطرح نفسه في موقع الحصن الذي يحمي الرئيس، مراهناً على شعبيته لطلب هبات من أجل تمويل حملته الانتخابية الخاصة. وقال في إعلان نُشر على موقع «فايسبوك»، الخميس: «تعرفون جميعاً دستوركم. الوسيلة لوقف العزل هي امتلاك غالبية جمهورية، وأنا على رأس الغالبية»، مضيفاً: «لكنني بحاجة إلى مساعدتكم. شكراً للتبرّع قبل انقضاء المهلة».