إذ تتواصل المفاوضات بين إيران والدول الأوروبية بشأن الحفاظ على الاتفاق النووي عبر القناة الفرنسية المحتفظة بـ«تفاؤلها»، تتجه الأنظار إلى طهران غداً الخميس، حيث تشارف المهلة الإيرانية الثانية على الانتهاء. في غضون ذلك، كانت الولايات المتحدة تبعث برسالة «سلبية» باتجاه مبادرة ماكرون، عبر فرضها عقوبات على وكالة الفضاء الإيرانية بحجة ارتباطها ببرامج الصواريخ البالستية، عقدة المفاوضات الأصعب.بموازاة مواصلتها التفاوض مع الفرنسيين، ومن خلفهم الأوروبيين، تستعد طهران لإعلان إجراءات جديدة للتقليل من التزامها في الاتفاق النووي، ضمن برنامجها لمواجهة الضغوط الأميركية المتواصلة. وقال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، إن الرئيس حسن روحاني سيعلن قريباً تفاصيل خفض التزام بموجب الاتفاق بحلول الخميس ما لم تتحرك الدول الأوروبية لإنقاذ الاتفاق، في إشارة إلى «الخطوة الثالثة» التي أمهلت طهران 60 يوماً لاتخاذ إجراءات تخفيض التزام من خلالها.
لكن تحذير ظريف حرص على تجنيب المفاوضات تأثير التصعيد الإيراني، من خلال تأكيده أمس أن «تنفيذ هذه الخطوة لا يعني نهاية المحادثات». وفيما لم تعتبر باريس من جهتها أن الخطوة الإيرانية ستنسف المحادثات، نقلت وكالة «فرانس برس» عن مصدر دبلوماسي فرنسي تحذيره من أن أي انتهاك جديد من إيران للاتفاق النووي «سيكون حتماً إشارة خاطئة». وتمسّك وزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لودريان، بنجاح وساطة رئيسه إيمانويل ماكرون بين طهران وواشنطن، لكنه اعترف في الوقت نفسه بوجود صعوبات، قائلاً: «ما زال هناك الكثير الذي يتعين القيام به، لا يزال الأمر هشاً للغاية»، لكننا «نتحاور بثقة نسبية». وأشار إلى أنه خلال قمة «مجموعة السبع» «شعر الرئيس (ماكرون) بأن الرئيس (الأميركي دونالد) ترامب على استعداد للتخفيف من استراتيجية الضغوط القصوى وإيجاد مسار يسمح بالتوصل إلى اتفاق»، وأشار إلى «حرص» طهران على التفاوض، مستشهداً بزيارة ظريف إلى بياريتس ليخلص إلى الاستنتاج: «هذه هي المكونات: انفتاح من جانب، وانفتاح من الجانب الآخر». وتطرّق إلى السناريو الذي تعمل عليه الوساطة، موضحاً أنه سيُمنَح خط قروض «يضمنه النفط» مقابل «عودة إيران إلى التزام الاتفاق النووي، وضمان الأمن في الخليج، وفتح مفاوضات حول الأمن الإقليمي ومرحلة ما بعد 2025»، لكن «كل ذلك يفترض بالضرورة أن يقوم الرئيس الأميركي بإعفاءات (من العقوبات) في نقاط معينة».
وضع لودريان تصريحات روحاني في إطار «لعبة التصريحات العلنية» بمواجهة المتشددين


وبشأن إمكانية جمع الرئيسين الإيراني والأميركي في لقاء بنيويورك على هامش اجتماعات الأمم المتحدة، قال: «هل سيحصل ذلك بصيغة لقاء ثلاثي أم رباعي أم خماسي؟ أعتقد بوضوح تام أن هذه المسألة يجب أن تُحلّ فقط في النهاية. إذا طرحنا هذه المسائل مسبقاً فلن ننجح». وحرص لودريان على عدم التشاؤم من تصريحات روحاني حول استبعاد لقاء ترامب، وبدا لافتاً وضعه هذه التصريحات في إطار «لعبة التصريحات العلنية» بمواجهة متشددي النظام.
في هذا الإطار، كان روحاني قد قال، في جلسة برلمانية أمس، إنه «لم يُتخذ قط أي قرار بإجراء مفاوضات مع الولايات المتحدة، وكانت هناك عروض كثيرة بإجراء محادثات، لكن ردنا سيكون دائماً الرفض». لكن الرئيس الإيراني كرر ضمناً قبول بلاده بمفاوضات مشروطة، قائلاً: «إذا رفعت أميركا كل العقوبات، يمكننا كما حدث من قبل أن ننضم إلى محادثات متعددة الأطراف بين طهران وأطراف اتفاق 2015». وعن «الخطوة الثالثة» في تقليص الالتزامات النووية، قال روحاني: «إذا استطاع الأوروبيون شراء نفطنا أو شراءه مسبقاً، فسيكون بإمكاننا الحصول على أموالنا، وذلك من شأنه أن يخفف الوضع وسيمكننا حينئذ تنفيذ الاتفاق كاملاً... وإلا فسنتخذ خطوتنا الثالثة».
في الأثناء، كانت واشنطن تبعث برسالة سلبية إلى الأجواء «الإيجابية» للمبادرة الفرنسية، عبر استهدافها مجدداً الملف الصاروخي الإيراني من خلال فرضها عقوبات على وكالة الفضاء الإيرانية ومركز أبحاث الفضاء ومعهد أبحاث الملاحة. عودة سريعة إلى الحظر تؤكد إصراراً أميركياً وتشدداً في سياسة «الضغوط القصوى»، أملاً في انتزاع استعداد إيراني للجلوس للتفاوض قبل اتخاذ أي خطوات أميركية تراجعية عن العقوبات النفطية، خصوصاً مع ربط برامج الفضاء الإيرانية بملف الصواريخ، العقبة الأكبر أمام أي مفاوضات. وعلّق وزير الخارجية، مايك بومبيو، أمس بالقول: «لن تسمح الولايات المتحدة لإيران باستخدام فضائها لإطلاق برنامج كستار لتحديث برامجها للصواريخ الباليستية».
(رويترز، أ ف ب)