طهران | أعلنت القوات الإيرانية، قبل مدة، التحضير لإقامة مناورات مشتركة بين القوات البحرية الإيرانية والروسية في شمال المحيط الهندي وبحر عمان، وهو ما أكده وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، أخيراً، أثناء زيارته لموسكو. العميد حسين خانزادي، قائد القوة البحرية في الجيش الإيراني، الذي كان يزور أخيراً مدينة سان بطرسبورغ الروسية للمشاركة في مراسم يوم القوة البحرية للجيش الروسي، قال: «لقد اتفقنا على إقامة مناورات بحرية بين القوات البحرية للبلدين في منطقة المحيط الهندي، ونأمل أن تُجرى هذه المناورات بنهاية العام الإيراني الحالي». وأضاف أن الاجتماعات المتعلقة بالتنسيق والتخطيط لإقامة هذه المناورات ستبدأ قريباً.التعاون العسكري بين إيران وروسيا ليس بالجديد. جزء منه يجري في مجال صفقات السلاح التي لها ماضٍ طويل، وآخر يعود إلى التعاون بين البلدين، والذي تجسد على شكل تعاون في الملفات الإقليمية بما فيها سوريا، وكذلك في مجال المناورات المشتركة، إذ كانت القوات البحرية الإيرانية والروسية قد أجرت مناورات مشتركة في بحر قزوين. وتوجد سفن الأسطول العسكري الروسي بصورة منتظمة في المحيط الهندي، على رغم أن هذا الوجود تقلّص في الآونة الأخيرة على خلفية تزايد التهديدات الناجمة عن القرصنة في المياه الدولية قبالة الشواطئ الإفريقية. الدافع الرئيس إلى وجود الأسطول العسكري الروسي في المياه الجنوبية بشكل أوسع يعود إلى إجراء مناورات عسكرية مشتركة مع الهند، بما في ذلك في المحيط الهادئ. وقد أظهر الأسطول الروسي في بحر قزوين قدراته الاستراتيجية بجلاء خلال المواجهات العسكرية الدائرة في سوريا، ونفّذ أكثر من مرّة قصفاً صاروخياً دقيقاً على مواقع الجماعات المسلّحة في الأراضي السورية، وهي عمليات جرت بالتنسيق والتعاون مع إيران.
وعلى الرغم من أن الجيش الإيراني أعلن أن المناورات الإيرانية الروسية المشتركة لا تجري في الخليج، لكن البديهي أن المحيط الهندي وبحر عمان يقعان بجوار مضيق هرمز والخليج، وهما مترابطان مع هذه المنطقة من الناحية الجيوسياسية والجيوستراتيجية. تكتسي هذه المناورات أهمية سياسية أكثر منها عسكرية، وتنطوي على إشارات محددة للولايات المتحدة وحلفائها، وبصفة عامة للمنافسين الاستراتيجيين لروسيا وإيران. هذا ما تلقّاه الأوروبيون وظهر في تصريح مسؤولة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، فيديريكا موغيريني، التي أعربت في وقت سابق عن قلقها من إقامة المناورات، وقالت إن «هذه القضية تبعث على القلق بوضوح، لأن الشيء الذي لا يحتاجه الشرق الأوسط هو إضافة المشاهد التي تجري فيها ألعاب الشطرنج بالوكالة، ونحن لا نريد أن يزداد عدد اللاعبين والفاعلين بالتأكيد».
تكتسي هذه المناورات أهمية سياسية أكثر منها عسكرية


في الظروف الحالية، ونظراً إلى التصعيد الأميركي في منطقة الخليج، وكذلك مشاريع الدول الغربية بزعامة واشنطن ولندن لبناء تحالفات أمنية أو عسكرية، فإن موضوع التعاون العسكري الإيراني الروسي تحت عنوان المناورات يكتسي أهمية خاصة. لذا، بدت الخطوة للطرفين، طهران وموسكو، قابلة للبحث والنقاش بما يحاكي التعاون المسبوق بينهما، على وقع هذا التصعيد المستجد. وبناءً عليه، إن هذا التعاون، ولا سيما في المياه الجنوبية لإيران، يمثّل ردّ فعل على خطط الدول الغربية لبناء تحالف أمني في المنطقة. أي إن إيران ترسل هذه الرسالة إلى الجانب الغربي بأنها تملك خيارات لبناء تحالفات مقابلة تضغط بها على واشنطن، ما من شأنه أن يعيد الحسابات الأميركية بضرورة التهدئة وعدم استدراج مأزق استراتيجي. كذلك فإن الروس، من جهتهم، يُفهمون بذلك الدول الغربية أنها إن أرادت رفع مستوى التوتر فإنهم يتمتعون بإمكانية الاضطلاع بدور منافس. وبهذا التوجّه، يكون بوسع التعاون بين طهران وموسكو أن يسعى في إقامة توازن قوى في الخليج، مقابل قيام تحالفات جديدة بزعامة الولايات المتحدة.
التعاون الإيراني الروسي يُقدَّم على أن بإمكانه أن يستحدث مناخاً جديداً بعد فشل التحالفات والاتحادات والآليات السائدة لحد الآن. وقد نشرت الخارجية الروسية في الآونة الأخيرة وثيقة تتعلق بالمسائل الأمنية في الخليج، تظهر أن الروس، مع حرصهم على المصالح الجمة لهذا الوجود، لا يفكرون في الوجود العسكري البحت، بل يبحثون عن إيجاد «آليات لإرساء الأمن» أيضاً. فما يميّز الطرح الروسي، أن موسكو تركز على «الأمن من الداخل» (أي تحققه على يد بلدان المنطقة ذاتها)، وهذا يقف على طرف نقيض من المشاريع المعلنة للدول الغربية التي تحاول ربط أمن بلدان المنطقة بشكل ما بوجودها ونفوذها العسكريين، ويوحي بالاستفادة من تجارب التدخلات الفظة. فإيران، من جهتها، تكرر طوال السنوات الأخيرة أن التحدي الرئيس الذي تمرّ به المنطقة يكمن في الوجود والتدخل الأميركيين، وأن أفضل نموذج لإرساء الأمن يتمثل بمساهمة بلدان المنطقة ذاتها في هذا المجال (مع التذكير هنا بأن الإيرانيين يتشدّدون تجاه فكرة الوجود العسكري الأجنبي عموماً، وخصوصاً على شكل قواعد عسكرية، حتى لو كان من قِبَل الأصدقاء)، ما يعني وجود تفهّم روسي للأفكار الإيرانية. التعاون العسكري بين طهران وموسكو في المياه الجنوبية لإيران وبجوار الخليج، يفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين، لا تؤثر بالعلاقات الثنائية في المستقبل فحسب، بل كذلك بالمعادلات السائدة إقليمياً أيضاً.