صحيح أن شبهات الفساد التي لا تُعد ولا تحصى ضد بنيامين نتنياهو في الملفات الجنائية «1000» و«2000» و«4000» لم تغيّر رأي الجمهور فيه، كما تبين نتائج الانتخابات الأخيرة، في ظل أنه لا توجد شخصية إسرائيلية تحظى بالشعبية التي يتمتع بها، لكن الولايات الخمس التي ترأسها نتنياهو قد بدأت أعمدتها تتداعى أخيراً، وهذه هي المرّة الأولى التي يُشار فيها بصراحة إلى أن الشبهات صعدت من مستوى الفساد المالي إلى خيانة الدولة وأمنها.
حصلت إسرائيل على "خصم" مالي مقابل السماح ببيع ألمانيا غواصات متطورة لمصر (من الويب)

على رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أقرّ سابقاً بأنه وافق على صفقة بيع الغواصات الألمانية لمصر لـ«أسباب سريّة»، كشفت القناة الـ13 الإسرائيلية جزءاً من شهادة ممثل الشركة الألمانية «تيسنكروب»، ميكي غانور، الذي كان «الشاهد الملك» في قضية الغواصات، أو الملف «3000». وقالت القناة، أمس، إنه بناءً على شهادة غانور «وافق نتنياهو على أن تبيع ألمانيا غواصات لمصر بعدما حصل (من الشركة الألمانية) على "خصم" بقيمة نصف مليار شيكل (100 دولار = 349 شيكل)».
هكذا، بعد مرور أربعة أشهر على قرار النيابة العامة الإسرائيلية إبطال الاتفاق مع ممثل «تيسنكروب»، غانور، وإبلاغه رسمياً أنه لم يعد «شاهد ملك»، عرضت القناة الـ 13 الإسرائيلية أجزاءً من شهادة الرجل (قدم أكثر من 50 شهادة إلى «وحدة التحقيق القطرية» ــــ لاهف) وفيها أن موافقة نتنياهو جاءت من دون إطلاع رؤساء الأجهزة الأمنية ووزير الأمن والمعنيين على الصفقة. ويعود قرار النيابة، في بداية أيار/مايو الماضي، إبطال الاتفاق مع غانور، إلى أنه تراجع في شهادته وقرر التزام الصمت أمام المحققين؛ ولذلك وصلته رسالة ممثلة الادعاء، ليئات بن آري، عبر محاميه، وفيها أن الاتفاق لاغٍ «بسبب تقديم الروايات على نحو مختلف تماماً عن الروايات التي أعطاها بعد التوقيع على الاتفاق، وبسب الضرر الذي لحق بمصداقيته لإدلائه بهذه الرواية الجديدة». مع ذلك، ما قدمه في إحدى شهاداته بشأن السبب في موافقة نتنياهو على بيع الغواصات لمصر «لم يتغيّر ضمن الشهادات التي غيّرها أو قدّم رواية مختلفة حولها».
باراك: نتنياهو فرّط في أمن إسرائيل على نحو يصل إلى مستوى الخيانة


وفق القناة نفسها، أبلغ ممثل الشركة الألمانية الشرطة الإسرائيلية بأن برلين «"خصمت" نصف مليار شيكل على إسرائيل من شراء الغواصات، مقابل أن يُسمح ببيع غواصات لمصر»، وأن الصفقة الأولى تمت بناءً على ذلك، كما تمت بقيّة الصفقات بهذه الطريقة. وبذلك، يقر غانور بأن إتمام الصفقة بين إسرائيل وألمانيا كان مهماً له ولشركائه بأي ثمن، حتى مقابل تعريض الأمن القومي الإسرائيلي للخطر، أو التفريط بتفوق الجيش الإسرائيلي العسكري والنوعي في المنطقة، إذ إن غانور ومحامي نتنياهو الخاص، ديفيد شيمرون، سبق أن عرقلا صفقة سفن كادت تحدث بين كوريا الجنوبية وإسرائيل مقابل فوز ألمانيا بالمناقصة.
يُشار إلى أنه قبل أشهر ناقش المستشار القضائي الخاص للحكومة، والنائب العام، ورئيس شعبة التحقيقات، غادي سيسو، ورئيس «الوحدة القطرية للجرائم الاقتصادية»، إيلي اسييغ، هل ستُرسل إسرائيل طاقماً من الوحدة إلى ألمانيا لإجراء تحقيقات مع موظفي الشركة ومسؤوليها من المعنيين في قضية الغواصات، بعدما أوضح رؤساء الشركة أنهم مستعدون للتعاون والإجابة عن الأسئلة.
الكشف الجديد بشأن تورط نتنياهو كان إشارة التقطها خصومه السياسيين، وأوّلهم رئيس حزب «أزرق أبيض»، الجنرال بيني غانتس، الذي قال إنه «مرة تلو أخرى يتكشف الفساد على حساب مصلحة المواطنين، وهذه المرّة على حساب مصلحة إسرائيل وأمنها. النتائج والخلاصات التي نشرتها القناة يجب أن تدفع النيابة العامة إلى فتح تحقيق فوري ضد تدخل رئيس الوزراء (نتنياهو) في صفقة الغواصات». وتابع غانتس: «من غير المعقول أن يعقد رئيس الوزراء صفقات أسلحة تؤثر في ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة مقابل تحقيق مصالح شخصية. صورة الفساد التي تكشفت يجب أن تتوضح أكثر».
كذلك، سارع رئيس الوزراء السابق إيهود باراك إلى استغلال الفرصة، خاصة أن المعركة الانتخابية بدأت تستعر في ظل التطورات الأمنية على الجبهة الشماليّة، وترقب الجمهور لكيفية تعامل نتنياهو (الذي يشغل أيضاً منصب وزير الأمن) مع الحدث. باراك رأى أنه «يجب تشكيل لجنة تحقيقات فوراً. هذه قضية الفساد الأخطر في تاريخ دولة إسرائيل؛ إذ إن شهادة غانور تدل على أن رئيس الوزراء فرّط في أمن الدولة بصورة خطيرة تصل إلى مستوى الخيانة، وكل هذا بسبب الفساد ومقابل الحصول على رشى وأموال له أو لمقرّبيه».