«ليست أزمةً سياسية تلك التي تجري في موسكو». هذا ما يقوله الكرملين في تعليقه على الاحتجاجات المتواصلة في العاصمة الروسية. احتجاجاتٌ انطلقت على إثر رفض السلطات الروسية ترشيحات نحو 60 مرشّحاً من المستقلين لخوض الانتخابات المحلية المُقرّرة في موسكو في الثامن من أيلول/ سبتمبر، بحجج كثيرة، منها أن هؤلاء «معارضة غير نظامية».ومع إدراكها أهمية انتهاز فرصة تراجع شعبية حزب «روسيا الموحدة» الحاكم، والتذمر الشعبي على خلفية تراجع الدخل الحقيقي للمواطنين المتواصل منذ خمس سنوات، وتباطؤ النمو الاقتصادي، ورفع السن التقاعدية، ركزت المعارضة على انتخابات مجلس النواب المحلي في العاصمة موسكو، ودفعت بأفضل مرشحيها إلى المعركة، لكن جميع الترشيحات رُفضت. ويسود أوساطَ المعارضة اعتقادٌ بأن رفض الترشيحات ناجم عن خوف السلطات الروسية من اكتشاف شبكات فساد واختلاس داخل إدارة هذه المدينة التي تصل موازنتها السنوية إلى 38 مليار يورو.
استبعاد المعارضة من الانتخابات، سببه، وفق اللجنة الانتخابية المركزية التي رفضت قبول الترشيحات، التواقيع المزورة التي قدّمها هؤلاء، إذ يتعيّن على كل متقدّم جمع بعض التواقيع من أجل الترشّح للانتخابات. وإذ ترى المعارضة أن الذرائع التي تسوقها موسكو «واهية»، يشير الكرملين إلى أن «كل مرشح رُفض ترشيحه، لديه الحق في الطعن قضائياً»، ولكنه يضيف أنه «لا يمكننا ولا يجب علينا أن نسير خلف عواطفنا».
وينفي الكرملين وجود «أزمة سياسية» في روسيا نتيجة الاحتجاجات المتواصلة منذ شهر في البلاد، وهو يبرّر أيضاً حزم الشرطة في وضع حدٍّ لـ«الإخلال بالأمن العام»، وذلك بعد أكبر تظاهرة معارضة شهدتها موسكو يوم السبت الماضي، منذ عودة فلاديمير بوتين إلى الكرملين عام 2012، عندما خرج متظاهرون للاحتجاج على ما عدّوه، حينذاك، تزويراً للانتخابات. وفي أول تعليق على حركة الاحتجاج التي تطالب بـ«انتخابات حرة ونزيهة»، أشار الناطق باسم الكرملين، ديمتري بيسكوف، إلى أن «احتجاجات عدة حصلت في الكثير من دول العالم، في عدد من العواصم الأوروبية»، مضيفاً أنه «لا يمكن أن نربط ذلك بأيّ أزمة»، داعياً إلى التمييز بين «أعمال الاحتجاج المرخّصة»، وتلك التي يمكن تصنيفها «محاولات تنظيم الناس واقتيادهم إلى الإخلال بالأمن العام».
وتتهم روسيا حكومات ووسائل إعلام أجنبية بدعم التظاهرات التي شهدت مشاركة عشرات الآلاف في الأسابيع الأخيرة. ومن هنا، يعتزم البرلمان الروسي عقد جلسة خاصة الأسبوع المقبل لبحث «تدخّل» قوى خارجية في الانتخابات الروسية، إذ قال رئيس مجلس النواب (الدوما)، فياشيسلاف فولودين، إنه سيجري نقاش «حقائق التدخل في الشؤون الداخلية لبلادنا» في 19 آب/ أغسطس. في الإطار ذاته، تتهم منظمة «روزكومنادزور» الحكومية لمراقبة الإنترنت، شركة «غوغل»، بـ«إعلان تحركات جماعية غير مرخصة» على موقع «يوتيوب»، إذ تشير إلى «هياكل مختلفة في قنوات يوتيوب» تنشر المعلومات عن احتجاجات غير مرخصة، وتقول إن تلك القنوات تستخدم «أدوات دعائية» مثل «إشعارات المتصفح» لعرقلة الانتخابات، محذّرة «غوغل» من أن موسكو ستعتبر عدم تحركها جزءاً من «تدخل في الانتخابات الروسية السيادية». ورداً على التطورات الأخيرة في موسكو، وقّع الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، أول من أمس، مرسوماً يسهّل منح الروس «المضطهدين» في بلادهم الجنسية الأوكرانية، ويلي هذا التدبير توزيع جوازات سفر روسية على سكان شرق أوكرانيا الانفصالي. وفي هذا المرسوم، يأمر الرئيس بإعداد قانون «يبسّط عملية الحصول على الجنسية الأوكرانية للمواطنين الروس الذين تعرضوا للاضطهاد بسبب آرائهم السياسية». ويفترض به أيضاً أن «يحسّن» الإجراءات على صعيد حقّ اللجوء.
وكان زيلينسكي قد وعد بعد انتخابه في نيسان/ أبريل الماضي، بمنح الروس الذين «يواجهون صعوبات» في بلادهم، الجنسية الأوكرانية. وقال آنذاك: «نعلم تمام المعرفة ما يقدمه جواز السفر الروسي»، وأضاف ساخراً: «الحقّ في الاعتقال بسبب تظاهرة سلمية» و«الحق في عدم إجراء انتخابات حرة».