عاد الخطاب إلى مربعه الأول بعد جريمتي القتل الجماعي اللتين شهدتهما ولايتا تكساس وأوهايو في عطلة نهاية الأسبوع: دعوات لتشديد قوانين حيازة الأسلحة، وأخرى لإقرار إجراءات تحقّق قساوة أكثر، وغيرها إلى ضبط خطاب الكراهية والعنصرية، الذي بات أكثر ترداداً، خصوصاً مع تصاعد موجة الهجرة، ليس في الولايات المتحدة وحدها، بل في أنحاء العالم.في واجهة هذا المشهد، أدت الجريمتان اللتان أوقعتا أكثر من 31 ضحية، إلى رفع الأصوات الداعية إلى تشديد إجراءات التحقّق بشأن خلفية مبيعات الأسلحة، في ما يشكّل اختبار قوة لـ«الرابطة الوطنية للبنادق» (NRA). هذه الرابطة، التي تعدّ اللوبي الأقوى في الولايات المتحدة، تعاني حالياً من اضطرابات داخلية، على ما اتّفق عليه أغلب وسائل الإعلام الأميركية.
فوفق موقع «ذا هيل»، إن الداعين إلى إصلاح نظام حيازة الأسلحة في الكونغرس ـــ عادة ما يشعرون بإحباط نتيجة نفوذ لوبي السلاح ـــ يعتقدون أن «فرصة جديدة سانحة أمامهم وسط معاناة الرابطة من حالة الوهن». وهو ما تحدّث عنه النائب الجمهوري بيتر كينغ الذي كان قد شارك في وضع مشروع قانون لتشديد إجراءات التحقّق، تعاون عليه كلا الحزبين. كينغ لم يؤكد فقط أن «الرابطة الوطنية للبنادق لم تعد كما كانت»، بل ذهب إلى القول إنه إذا سعى الرئيس دونالد ترامب، إلى الدفع في اتجاه إقرار مشروع قانون للسيطرة على الأسلحة داخل الكونغرس الآن، فإن «الرابطة» لن تكون فعّالة على نحو كافٍ لإيقافه.
«الرئيس صانع صفقات رائع، يعرف كيف يستفيد من نقاط ضعف الأشخاص، وإذا ما كانت الرابطة الوطنية تملك نقطة ضعف، فهي موجودة الآن»، يقول كينغ، «هم ضعفاء. وكلّنا بمن فينا الرئيس يجب أن نستغل ذلك». كذلك، قدم المرشّح الديموقراطي للرئاسة، جوليان كاسترو، تقييماً مشابهاً، إذ نقلت شبكة «إم اس ان بي سي»، عنه أنه «إذا ما قارنت الوقت الحالي مع عشر سنوات خلت، هناك المزيد من الأشخاص في السياسة الذين يقفون في وجه الرابطة الوطنية للأسلحة»، لأن «قبضتها على السياسيين الأميركيين قد خفّت كثيراً».
تعاني هذه الرابطة من نزاعات داخلية؛ في نيسان/ أبريل الماضي، طُرد أوليفر نورث من رئاستها بعدما أعرب عن هواجس تتعلق بالإنفاق الضخم من كبار قادتها، بمن فيهم المدير التنفيذي، واين لابيير، الذي يشغل منصبه منذ وقت طويل. وفي حزيران/ يونيو، أغلقت المجموعة القناة التابعة لها بعد ثلاث سنوات من بدء عملها، بينما استقال أكيرمان ماكوين، وهو من أحد أبزر أعضاء جماعات الضغط التابعة لها، وسط اتهامه بالسعي إلى التخلّص من لابيير. استمرت المشكلات الأسبوع الماضي عندما انسحب ثلاثة أعضاء متحدّثين عن إيمان «متزعزع» بقيادة المجموعة.
الأمر ليس مرتبطاً بالرئيس وحده، بل بالدستور وبالقاعدة الانتخابية


في ظل ذلك كله، جاء أنطونيو سكاراموتشي، وهو مدير الاتصالات السابق لدى ترامب، ليقول إن سلسلة الفضائح المتتالية أثّرت في الرابطة وقلّصت نفوذها، ما خلق فرصاً جديدة لإصلاح نظام حيازة الأسلحة وتحريك مشاريع قوانين قديمة عبر الكونغرس، في حال وقوف الرئيس وراءها. ووصف سكاراموتشي «الرابطة» بأنها «إمبراطور من دون ثياب حالياً»، كما قال في مقابلة مع «سي ان ان»، إن «الرئيس يمكنه أن يستخدم قوته مع الحزب الجمهوري، وفعل شيء ما في ما يتعلق بقوانين حيازة الأسلحة».
كل ما تقدّم لا يعني أن هذه الرابطة فقدت نفوذها بالفعل، ذلك أن المتغيّر الوحيد أن قوّتها التي طالما كانت أمراً مسلّماً به تخضع حالياً لما يمكن تسميته «جدلاً» قد لا يؤثر فيها، بل إن هذا النقاش الذي يحيط بها قد لا يعطي نتيجة مختلفة عن المحطّات السابقة حين كانت تقف في وجه كل مشروع قانون يهدف إلى تعديل نظام بيع الأسلحة. أبرز مثال على ذلك، عرقلة مسارات إجراءات كبيرة للسيطرة على حيازة الأسلحة، في الكونغرس، بعد حادثة إطلاق النار التي شهدتها مدرسة «ساندي هوك» عام 2012، وأدّت إلى مقتل نحو 28 شخصاً.
فضلاً عن ذلك، وحتى مع ما ذكره موقع «ذا هيل»، يبدو من الواضح أن «الرابطة» لا تزال تملك تأثيراً كبيراً، خصوصاً داخل الحزب الجمهوري، إضافة إلى أنّ من غير الواضح هل ترامب جاهز أصلاً لتحدّيها، وهو ما تبدّى في خطابه الذي لم يتطرّق خلاله إلى تحديث إجراءات التحقّق، بعدما كان قد أشار إلى ذلك في تغريدة سبقته بوقت قليل.
ليس خافياً على أحد أن الجمهوريين، الذين عوّل عليهم «ذا هيل» في سياق تقريره، يختبئون وراء الرئيس في ما يتعلق بالجدل حول السلاح، وهو ما أشارت إليه صحيفة «بوليتيكو» التي ذكرت أنهم «يلتصقون» به وبـ«الرابطة الوطنية للأسلحة». التعبير الأكثر دقّة أن هؤلاء يعرفون أن ترامب كان سيغيّر رأيه عمّا قاله في التغريدة، وهو ما سينقذهم من مواجهة «الرابطة». وبالفعل، أعطاهم الأخير ما يصبون إليه في خطابه، مستبدلاً إجراءات التحقّق الأقوى بشأن خلفية الحائزين الأسلحةَ بتغيير القوانين المتعلقة بالصحة العقلية، وتنفيذ قوانين «الراية الحمراء» في ما يمكن وصفه بـ«المقترحات المتواضعة جداً» أمام ما كان قد ذكره.
الأمر ليس مرتبطاً بالرئيس وحده، بل بالدستور الذي يحفظ الحق بحيازة الأسلحة الفردية، وبالقاعدة الانتخابية التي تقف وراء ترامب والجمهوريين وغيرهم من الديموقراطيين غير المتحمّسين لتغيير قوانين امتلاك السلاح. انطلاقاً من هذه الفكرة، يمكن الاستدلال على أن هؤلاء «يشعرون براحة أكبر في إلقاء اللوم في الأهوال المتكرّرة بشكل متزايد على مشكلات الصحة العقلية أو الثقافة الأميركية بدلاً من إلقاء اللوم على الرابطة الوطنية للبنادق والناشطين المحافظين»، وهو ما لفتت إليه «بوليتيكو»، موضحة أن «تغيير ترامب السريع لموقفه منح الجمهوريين غطاءً». بناءً على هذه الأرضية، استبدل البعض بكل مقترحات الحلول المباشرة، تبنّي قانون «الراية الحمراء»، الذي ارتأى السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام الإشارة إليه مثلاً على اعتبار أنه يسمح لمسؤولي إنفاذ القانون بالاستحواذ مؤقتاً على الأسلحة من الأشخاص الذين قد يشكّلون خطراً على أنفسهم أو غيرهم.



«واشنطن بوست»: عند ترامب المنفّذ مريض عقلياً... إلا إذا كان مسلماً


رأى آيرون بلاك، في مقالة في صحيفة «ذي واشنطن بوست»، أن غالبية التعليقات الصادرة عن الرئيس دونالد ترامب، بعد كل عملية قتل جماعي تشهدها البلاد أو العالم، تدخل في إطار إلقاء اللوم على المرض العقلي، إلا عندما يكون منفذ الهجوم مسلماً، فعندئذ يلقي باللوم على الإسلام. يقول بلاك إن هذا الأمر «جزء من نمط واضح لدى ترامب، لكنه غالباً ما يتقدّم على الدليل»، مضيفاً: «هناك مثال واضح لا يتضمّنه هذا النمط، هو عندما يتّسم المهاجم بالشراسة ويكون مسلماً». ذلك أن ترامب كان قد أشار إلى المرض العقلي على أنه مسبّب بعد تسع عمليات قتل جماعية على الأقل، لكنه بعد الهجوم على مسجدين في نيوزيلندا قال: «أظن أن هذه مجموعة من الأشخاص الذي يعانون مشكلات خطيرة جداً جداً».
ولذلك، أوضح الكاتب أن «الرابط بين المرض العقلي وجرائم القتل الجماعي ليست ثابتة ومتكرّرة كما يشير ترامب»، لافتاً إلى أن «دراسة نفسية أجرتها جامعة كولومبيا وجدت أن 22% من 235 حادثة قتل جماعي كانت ناتجة عن مرض عقلي». حتى إن «الجمعية الأميركية لعلم النفس» قالت في بيان أول من أمس، إن «إلقاء اللوم على المرض العقلي بصورة روتينية أمر لا أساس له ويؤدي إلى التشويه»، مضيفة: «معدّل الأمراض العقلية هو تقريباً نفسه حول العالم، ولكن الدول الأخرى لا تختبر هذه الأحداث الصادمة كما نختبرها». وقد ذهب بلاك أبعد من ذلك، بالقول إنه «بالنسبة إلى منتقدي ترامب، الحديث عن المرض العقلي هو طريقته لتفادي مسائل شائكة، مثل السيطرة على السلاح والتطرّف المحتمل المرتبط بخطابه».
(الأخبار)