«حزب الحرب» في إدارة دونالد ترامب وداخل النظام السياسي الأميركي لا يتوقف عن إعداد السيناريوات الكفيلة بافتعال الصدام المباشر مع إيران، والذي سيفضي إلى المواجهة العسكرية الشاملة معها. بلورت لهذا الغرض، خلال السنة الأولى من حكم الرئيس الأميركي الحالي، سياسة «الضغوط القصوى»، التي وُضعت بعدها موضع التنفيذ وأوصلت الأوضاع إلى حافة الحرب، وهو يعمل اليوم على بلورة «خطة باء» تقود إلى الحرب، إن لم تنجح السياسة المذكورة في التسبّب بها. ما كشف هذا المسعى هو الحملة التي بدأتها بعض مؤسسات اللوبي الإسرائيلي ورموزه من أجل إبرام معاهدة دفاعية بين الولايات المتحدة وإسرائيل. التحالف الاستراتيجي الأميركي ــــ الإسرائيلي، الذي تحول مع الزمن إلى ارتباط عضوي بين الطرفين قلّ نظيره في العلاقات الدولية المعاصرة، لم يؤدّ إلى إبرام مثل هذه المعاهدة في السابق، لأن إسرائيل لم ترغب في الحدّ من حرية حركتها نتيجة للالتزامات والقيود التي تفرضها المعاهدات. فالمعاهدات الدفاعية، كتلك التي تربط بين الدول الأعضاء في حلف «الناتو» مثلاً، تتضمن حقوقاً وواجبات متبادلة في ما بينها، ومنها واجب التشاور قبل الإقدام على أي خطوة من قِبَل أحد الأعضاء، تلزم الآخرين بالواجبات التي تنص عليها المعاهدة بينهم. قد تكون التغييرات التي طرأت على موازين القوى في المنطقة هي إحدى الخلفيات التي حَدَت بإسرائيل وبأنصارها في الولايات المتحدة إلى العمل من أجل عقد معاهدة بين البلدين. لكن مشروع العدوان على إيران هو خلفية رئيسة أخرى لهذا التوجه الجديد.
من المرجح أن يواجه اقتراح المعاهدة معارضة في الكونغرس

في مقال خصّصه لموضوع المعاهدة الدفاعية الأميركية ــــ الإسرائيلية ونشره على موقع «لوبلوغ»، كشف ميتشيل بليتنيك، الكاتب والمحلل السياسي، أن حملة الترويج لها انطلقت من مؤتمر «المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي» (إحدى أكثر مؤسسات اللوبي الإسرائيلي تطرفاً في الولايات المتحدة)، والذي عقد يوم الثلاثاء الماضي. المركز حرص على أن يكون ليندسي غراهام، عضو مجلس الشيوخ الصقوري المعروف، بين قادة الحملة، نتيجة لعلاقته المميزة مع الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي. وذكر بليتنيك أن غراهام اعتبر في مداخلة أمام المؤتمر أن «المعاهدة ستحمي إسرائيل في حال تعرضها لهجوم يشكل تهديداً وجودياً يتجاوز قدرتها على مواجهته... لدينا معاهدات دفاعية مع 50 بلداً، لكن الناس قد لا يعلمون أنه ليس لدينا معاهدة مع إسرائيل». المقصود بالتهديد الوجودي غالباً ما يكون الهجوم بأسلحة الدمار الشامل، لكن هذا المفهوم «المطاط» يتيح تأويلات متعددة. هذا ما سيتضح مع مداخلة مدير قسم السياسة الخارجية في المركز، جوناثان روهل، الذي رأى أن «ضربة إسرائيلية للمشروع النووي الإيراني لن تفعّل المعاهدة، لكن رداً إيرانياً واسعاً قد يفعّلها. من المهم التذكير بأن إسرائيل تبادر للقيام بأعمال عسكرية بمفردها من دون أن تكون الولايات المتحدة ملزمة بالمشاركة فيها». بكلام آخر، وكما يشير بليتنيك، فإن الغاية الأولى للمعاهدة هي تمهيد الطريق لهجوم إسرائيلي على المشروع النووي الإيراني. وهو يظن أنها «قد لا تمنع رداً إيرانياً، لكن هناك احتمال كبير بأن يكون رداً محدوداً». المعاهدة ستسمح أيضاً لإسرائيل بالحصول على المعلومات الاستخبارية التي تجمعها بلدان «تحالف الأعين الخمس»، الذي يضم الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا وأوستراليا ونيوزيلندا، وهو أمر حيوي بالنسبة إليها. لكن الأهم، بحسب اعتقاد بليتنيك، أنها ستوفر لترامب فرصة لضرب إيران بواسطة إسرائيل، مع الافتراض أنها ستردع إيران عن الشروع في عملية انتقامية واسعة، ما يعني أن الولايات المتحدة لن تكون مضطرة إلى خوض الحرب مباشرة. نقطة أخيرة ينبّه إليها الكاتب، وهي أن الولايات المتحدة، وفقاً للصيغة المقترحة للمعاهدة، لن تستطيع استخدامها للتحكم أو لزيادة تأثيرها على ما تبادر إليه إسرائيل، وأن مشاركتها في أي مواجهة ستتم فقط إذا طلبت منها الأخيرة ذلك.
من المرجح أن يواجه اقتراح المعاهدة معارضة في الكونغرس لدى الأطراف المدركة للاعتبارات الفعلية التي تحرّك غراهام وأمثاله، غير أن الخطر يكمن في قدرته على إقناع ترامب بأنها ستفسح المجال للتصدي لإيران من دون تورط أميركي، وعبر استخدام «العصا الغليظة» الإسرائيلية، والتلويح بضربات أميركية مزلزلة إذا دافعت إيران عن نفسها بقوة تتجاوز سقف ما هو مقبول إسرائيلياً وأميركياً. مرة أخرى، يحاول «حزب الحرب» بيع خططه لترامب، على غرار ما قام به لدى تصديره خطة «الضغوط القصوى» على أنها بديل من الحرب، مع أنها الطريق الأقصر إليها، ومن غير المضمون أن يلتفت قاطن البيت الأبيض إلى ذلك.