ليس حديث أوساط يمينية إسرائيلية، أمس، عن إمكانية التوجه إلى انتخابات عامة جديدة للمرة الثالثة على التوالي، مستغرباً على خلفية حسابية صرفة، إلا أنه تقدير مبنيّ على عدم يقين إزاء الانتخابات بنسختها الثانية وتعقيداتها، وكذلك على عدم الثقة بين مكوّنات المعسكر الواحد، حيث تغلب «الأنا» على أي التزام آخر، مهما كانت التبعات. هذا التقدير جاء على لسان سياسي رفيع في حزب «الليكود» يرأس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست، هو أفي ديختر، في معرض تعليقه على تشكيل قائمة موحّدة من عدد من الأحزاب المتموضعة على يمين حزب «الليكود» لخوض الانتخابات المقبلة. وهي تعليقات استثارتها أيضاً تصريحات رئيسة القائمة الجديدة، إيليت شاكيد، التي لمحت إلى أنها تلتزم فقط بتسمية شخصية قادرة على تشكيل حكومة من اليمين، وليس بالضرورة تسمية بنيامين نتنياهو، قبل أن تتراجع عن موقفها في أعقاب الاتفاق على تفاصيل الاتحاد مع الأحزاب اليمينية الأخرى. وكان نتنياهو عمل جاهداً، خلال الأسابيع الماضية، على ألّا تتشكل القائمة اليمينية من مكوناتها الحالية، ومن ثم عمد، بعد فشله في ذلك، إلى محاولة الحؤول دون ترؤس شاكيد القائمة. مساعٍ حرّكتها خشيته من تشكّل كيان سياسي واحد يجمع عدداً من الأحزاب اليمينية، وحيازته عدداً كبيراً من المقاعد في الكنيست، بما يخوّله فرض إرادته على نتنياهو، ليس في ما يتعلق بالتوجهات السياسية وحسب، بل أيضاً في ما يرتبط بإمكانية إقرار قانون الحصانة لأعضاء الكنيست، والذي يعمل رئيس الوزراء عليه لمنع محاكمته بتهم رشى وفساد، في حين أن بقاء الأحزاب اليمينية على حالها، متفرقةً مع عدد مقلّص من المقاعد في الكنيست، يسهّل على نتنياهو التعامل معها، ولا يفتح المجال أمامها للكثير من الابتزاز، بما يشمل أيضاً قانون الحصانة.
يأتي اتحاد عدد من أحزاب اليمين بعد ستة أيام على اتحاد مماثل لدى كتلة اليسار


المفارقة أن تعزيز عدد مقاعد الكتلة اليمينية في الكنيست المقبل، وهو ما يمكن أن يتحقق من خلال الاتحاد بين مكونات اليمين أو العدد الأكبر منها، يُعدّ مصلحة «ليكودية» صرفة؛ على اعتبار أن زيادة عدد مقاعد هذا المعسكر يضاعف فرصه في تشكيل الحكومة المقبلة، إلا أن «أنا» نتنياهو غلبت لديه على مصلحة حزبه ومصلحة اليمين، وإن جرى الاتفاق لاحقاً بين مكونات القائمة الجديدة على تسميته لتشكيل الحكومة المقبلة، بعد تردد شاكيد ونفتالي بينت وممانعتهما طويلاً.
ويأتي اتحاد عدد من أحزاب اليمين في قائمة واحدة، بعد ستة أيام على اتحاد مماثل لدى كتلة اليسار، وقبل يومين من الموعد النهائي لتسجيل القوائم لدى اللجنة المركزية للانتخابات. وتُعدّ ظاهرة الاتحاد في قوائم مشتركة داخل المعسكرات ميزة من مميزات هذه الانتخابات قياساً بالانتخابات الماضية، حيث فضّلت الأحزاب في حينه أن تتنافس منفردة، فسقط عدد منها وتجاوز عدد آخر العتبة الانتخابية بصعوبة، الأمر الذي أفقد المعسكرين، اليسار واليمين، كتلاً ناخبة كان من شأنها تغيير نتيجة الانتخابات، ومنع التوجه إلى انتخابات مبكرة.
وفي حالة اليمين راهناً، تنازل الحاخام رافي بيريتس عن رئاسة القائمة اليمينية المشتركة لصالح رئيسة حزب «اليمين الجديد»، إيليت شاكيد، معلناً أن السبب الرئيس الذي دفعه إلى ذلك هو «الوحدة بين اليمين ومصلحة اليمين»، فيما قال الوزير السابق، نفتالي بينت، الذي تنازل هو الآخر لشاكيد وبات الرقم اثنين في اللائحة، إنه يؤيد «توحيد صفوف كافة الأحزاب اليمينية لتشكيل كتلة كبيرة، بما فيها حزب عوتسما يهوديت وحزب زيهوت»، في إشارة منه إلى حزبين استثنائيين في تطرفهما، ويتموضعان على يمين اليمين المتطرف في إسرائيل.
على ذلك، تخوض ثلاثة أحزاب يمينية متطرفة، هي «اليمين الجديد» و«البيت اليهودي» و«الاتحاد القومي»، انتخابات أيلول/ سبتمبر المقبل ضمن لائحة مشتركة اتُفق على تسميتها «اليمين الموحد». إلا أن ذلك لا يعني، بالضرورة، أن الكتل الناخبة لن تتسرّب أو تتبدد نتيجة هذا الاتحاد؛ إذ لا يزال عدد من الأحزاب اليمينية خارج اللائحة، ومن بينها حزب «إسرائيل بيتنا»، وبطبيعة الحال حزب «الليكود»، الأمر الذي يعني تنافساً على الناخبين في ما بينها، ويعرّض المعسكر اليميني لفقدان الأغلبية في الكنيست المقبل.
في المحصلة، تبدو التقديرات على حالها إزاء النتيجة المرتقبة للانتخابات المقبلة، على رغم التغيير الذي طرأ على المشهد الانتخابي ومركّباته بين المعسكرين، إذ تظهر استطلاعات الرأي أن أي زيادة في عدد مقاعد أي حزب أو قائمة ستأتي على حساب حزب أو قائمة من المعسكر نفسه، من دون تغيير في النتيجة الكلية للمعسكرين المتنافسين، الأمر الذي لا يبقي التصريح الصادر عن ديختر، حول إمكانية التوجه إلى انتخابات مبكرة، مجرد فرضية حسابية.