(...) أكثر الأفكار تعرّضاً للتهديد في الغرب هي التيار المحافظ. يجب أن تكون محافظاً لترى أن ذلك مثير جداً للقلق. في الأنظمة المؤلَّفة من حزبين، مثل الولايات المتحدة و(بنحو أوسع) بريطانيا، فإن اليمين موجود في السلطة، ولكن عبر التخلّي عن القيم التي كانت تُستخدم لتعريفه. في دول من أحزاب عدّة، تآكَل اليمين الوسط، كما في ألمانيا وإسبانيا، أو انتُزعت منه قوّته، كما في فرنسا وإيطاليا. وفي أماكن أخرى، مثل هنغاريا، اتّجه اليمين مباشرة إلى الشعبوية من دون محاولة اعتماد «المحافَظة» (...).اليمين الجديد ليس تطوّراً للتيار المحافظ، لكنه رفضٌ له. الغاضبون يشعرون بالضيق والسخط. إنهم متشائمون ورجعيون. إنهم ينظرون إلى العالم ويرون ما وصفه الرئيس دونالد ترامب يوماً بـ«المجزرة». فكِّروا في كيفية تحطيمهم تقليداً محافظاً تلو الآخر. التيار المحافظ براغماتي، لكن اليمين الجديد متعصّب، أيديولوجي ومتعجرف (...). بالنسبة إلى السيد ترامب، فإن «الوقائع» هي فقط أدوات لتضخيم صورته أو شعارات مصمّمة لإثارة الغضب والولاءات القبلية. المحافظون حذرون بشأن التغيير، لكن اليمين يهوى الثورة الآن بقوة (...). البرازيليون انتخبوا جايير بولسنارو الذي يتذكّر باعتزاز أيام الحكم العسكري. الشخصية الكاريزمية بوريس جونسون هو المفضل ليكون رئيس حكومة بريطانيا المقبل، على الرغم من كونه غير موثوق به من قبل أعضاء مجلس البرلمان، لكنه يُنظر إليه على أنه سيكون «محافظ الهاينيكن» الذي، كما البيرة، يُنعش أجزاءً لا يمكن لـ«محافظين» آخرين الوصول إليها.
المحافظون يحترمون الأعمال، وهم حكّام حكماء في الاقتصاد، لأن الازدهار يدعم كل شيء. رئيس الحكومة الهنغارية، فيكتور أوربان، يقدّم نفسه على أنه اقتصادي محافظ مشجّع للضريبة المنخفضة، لكنه يهدّد القاعدة التي تعتمد عليها الأعمال. السيد ترامب يشن الحروب التجارية. حوالى 60% من الأعضاء «المحافظين» (في البرلمان البريطاني) مستعدون لإلحاق «أضرار جسيمة» بالاقتصاد لتأمين خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. في إيطاليا، تروّع الحكومة الأسواق عبر التلويح بإصدار ورقة من شأنها أن تعمل كعملة موازية لليورو (...). في فرنسا، خلال الحملة لانتخابات البرلمان الأوروبي، قدّم حزب «الجمهوريين» نفسه بناءً على جذور أوروبا اليهودية ــــ المسيحية، وليس بناءً على إدارة اقتصادية حكيمة.
أخيراً، اليمين يغيّر ما يعنيه الانتماء. في هنغاريا وهولندا، يهلّل اليمين لقومية الدم والتربة، التي تستبعد وتفرّق. «فوكس» (Vox)، وهي قوة جديدة في إسبانيا، تحنّ إلى «ريكونكيستا»، عندما كان المسيحيون يطردون المسلمين. القومية الغاضبة والرجعية تشعل الشكوك والكره والانقسام. إنها نقيض بصيرة التيار المحافظ التي تقول بأن الانتماء إلى أمة، كنيسة، ومجتمع محلي، يمكن أن يوحّد الناس ويحفّز على العمل من أجل المصلحة العامة.
لقد أصبح التيار المحافظ متطرّفاً لأسباب عدّة. الأول، انحسار ما سماه إيدموند بيرك بـ«الفصائل الصغيرة» التي اعتمد عليها، مثل الديانة، والاتحادات، والعائلة. والثاني، هو أن الأحزاب القديمة في اليمين واليسار خسرت صدقيتها بسبب الأزمة المالية، والتقشف، والحروب الطويلة في العراق وأفغانستان (...).
لا يعني ذلك أن كل شيء يذهب في الاتجاه الذي تريده أحزاب اليمين الجديد. في بريطانيا والولايات المتحدة، على الأقل، الديموغرافيا ضدهم. ناخبوهم هم من البيض ومسنّون نسبياً. الجامعات منطقة خالية من جناح اليمين. وجد استطلاع أجراه «بيو»، العام الماضي، أن 95% من الناخبين الأميركيين المولودين في الألفية الثانية، هم ديموقراطيون أو يميلون إلى الديموقراطيين. النسبة المقابلة من الجمهوريين هي فقط 32 (...).
ولكن من الواضح أن اليمين يفوز بمعركته ضد التيار المحافظ التنويري. بالنسبة إلى الليبراليين الكلاسيكيين، مثل هذه المجلّة، فإن هذا الأمر مصدر أسف. المحافظون والليبراليون يختلفون في شأن أشياء كثيرة، مثل المخدرات والحرية الجنسية. ولكنهم غالباً ما يكونون حلفاء (...). إن النزعة المحافظة للتحول إلى شرطة أخلاق، يقابلها دافع لحماية حرية التعبير وتعزيز الحرية والديموقراطية في جميع أنحاء العالم. التيار المحافظ يعدّل الحماسة الليبرالية. الليبراليون يخرقون الاستكانة المحافظة (...). في أفضل حالاته، يمكن أن يكون للتيار المحافظ تأثير ثابت. إنه منطقي وحكيم، يقدّر المنافسة، وليس على عجلة من أمره. ولّت هذه الأيام. اليوم، اليمين خطير، وفي صعود ناري.

(ذي إيكونوميست)