سارعت لندن إلى إعلان فتح تحقيق في البرقيات الدبلوماسية المسربّة لسفيرها في واشنطن، التي يصف فيها إدارة الرئيس دونالد ترامب بـ«المضطربة» و«غير الكفوءة». تسريباتٌ دفعت الأخير إلى الردّ، بالقول إنه وإدارته «ليسا من كبار المعجبين» بالسفير كيم داروش الذي يغادر منصبه نهاية العام الجاري.البرقيات التي نشرتها صحيفة «ذا مايل أون صنداي»، أول من أمس، وتغطّي الفترة ما بين العامين 2017 و2019، أَحرجت الحكومة البريطانية التي بادرت إلى الاتصال بإدارة ترامب «للتعبير عن رأينا، وهو أننا نعتقد أن التسريب غير مقبول. حدوث ذلك أمر يدعو بالطبع إلى الأسف». على المنوال ذاته، نأى وزير الخارجية، جيريمي هانت، بنفسه عن الكلام المنسوب إلى سفير بلاده، مؤكداً أنه لن يسمح بأي عرقلة للعلاقات «الممتازة بيننا وبين الولايات المتحدة».
غير أن الرسائل البريطانية لم تحُل دون تعليق ترامب على التسريبات، إذ رأى أن السفير كيم داروش «لم يخدم المملكة المتحدة على جيداً»، وأنه وإدارته «ليسا من كبار المعجبين» به، لذا «يمكنني أن أتفهّم ذلك، ويمكنني أن أقول أشياء عنه، لكنني لن أكترث».
وفي البرقيات المسرّبة، يرى السفير البريطاني أن رئاسة ترامب قد «تتحطّم وتحترق» و«تنتهي بوَصمة عار»، وينصح المسؤولين في بلاده بأن عليهم أن «يطرحوا أفكارهم ببساطة، وبفظاظة أحياناً»، إذا أرادوا التعامل بفعالية مع رئيس «يشعّ اضطراباً». ويقول: «لا نعتقد حقّاً أن هذه الإدارة ستُصبح طبيعية أكثر، وأقل اختلالاً، وأقل مزاجية، وأقل تشظياً، وأقل طيشاً من الناحية الدبلوماسية».
وفي إحدى رسائله الأخيرة المؤرخة بـ22 حزيران/ يونيو الماضي، ينتقد داروش سياسة ترامب ومواقفه «غير المترابطة» و«الفوضوية» حيال إيران. وعن تراجعه في اللحظة الأخيرة عن تنفيذ ضربة ضدّ طهران رداً على إسقاط طائرة التجسس الأميركية بحجة أنها «قد تسبب مقتل 150 إيرانياً»، يقول: «ليس بالأمر المقنع... الأرجح أنه لم يكن صادق العزم تماماً، وكان يشعر بالقلق من تأثّر فرصه في 2020 بتراجعه عن الوعود التي قطعها خلال الحملة الانتخابية في 2016». لكن السفير يحذّر المسؤولين البريطانيين، في الوقت ذاته، من تجاهل ترامب، خصوصاً أن هناك فرصةً «يُعتدّ بها» لفوزه بولاية رئاسية ثانية.
اعتبر ترامب أنّ السفير البريطاني لم يخدم المملكة المتحدة جيّداً


ويبدو أن كبار الوزراء البريطانيين باتوا في دائرة الشكّ، بعدما أشارت صحيفة «ديلي تلغراف» إلى أن ما يصل إلى 100 شخص من العاملين في وزارة الخارجية والوزارات الأخرى يطّلعون على البرقيات، لكن «الأمر يستلزم مسؤولاً أو وزيراً ليكون في وسعه الاطّلاع على كافة البرقيات، ما يلقي الضوء حتماً على كبار الوزراء». وتتّجه الشكوك حالياً صوب مسؤولين داعمين لـ«بريكست»، يخوضون صراعاً على السلطة في حزب المحافظين الحاكم.
تعليقاً على التسريبات، قال رئيس حزب «نيو بريكست»، نايجل فاراج، إن شخصيات مثل داروش «لن تكون موجودة» إذا اختار أعضاء حزب المحافظين لزعامته وزير الخارجية السابق، بوريس جونسون، وهو أحد مرشَّحَين يسعيان لخلافة تيريزا ماي في رئاسة الوزراء. وسيتعيّن على خليفة ماي تعيين سفير جديد في واشنطن مع انتهاء مدة داروش في نهاية العام الجاري. ويبدو المرشّح الأوفر حظاً لهذا المنصب، مارك سيدويل، أقلّ حماسة لـ«بريكست» من جونسون أو بعض أعضاء فريقه. وفي السياق، كتبت صحيفة «ذي غارديان» أن «هناك تقارير تفيد بأنه يجرى إعداد مارك سيدويل، الوزير الحالي في الحكومة، للمنصب». لكن ترامب «قد يتشكّك في سيدويل، ويفضّل شخصاً يدعم بريكست على نحو حقيقي». وتابعت: «قد لا يصلح لذلك... لكن نايجل فاراج، الذي قام بحملة علنية لشغل المنصب قبل تعيين داروش في 2016... يصلح»، إلا أن الأخير قلّل من شأن أي اهتمام محتمل له بشغل منصب سفير بلاده في واشنطن.