«لقد عادت إسبانيا». بهذه الكلمات علّق رئيس الوزراء الإسباني، بيدرو سانشيز، على ترشيح جوسيب بوريل لتولّي منصب وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، خلفاً للإيطالية فيديريكا موغيريني. كان سانشيز يشير إلى آخر إسباني شغل هذا المنصب: خافيير سولانا (1999 - 2009). عنَى ذلك أن إسبانيا عادت، بعد عشر سنوات، إلى الخطوط الأمامية لمؤسسات التكتّل، على رغم أن منصب وزير خارجية الاتحاد يعتبر الأقل قوّة من بين جميع المناصب التي جرى تقاسمها أخيراً.وفي انتظار مصادقة البرلمان الأوروبي على التعيينات التي ستتولّى المناصب الرفيعة في بروكسل، فإن إسبانيا، والأسرة الاشتراكية الديموقراطية في البرلمان الأوروبي ــــ التي كان سانشيز يتفاوض باسمها ــــ كانت تنظر في إمكانية تعيين اشتراكي على رأس المفوضية الأوروبية، هو الهولندي فرانس تيمرمانس، لكن صفقة التعيينات فرضت الألمانية أورسولا فون دير ليين لتقود الفرع التنفيذي للاتحاد.
وبصرف النظر عن «قوة» المنصب، احتفى سانشيز بالتعيين على افتراض أن نطاق عمل بوريل سَيَنْمو: إلى جانب توجيه دبلوماسية الاتحاد الأوروبي، وتنسيق سياسات الدفاع (إلى حدٍّ ما)، سيتولى وزير خارجية الاتحاد قريباً مسؤولية المساعدات الإنسانية والجوانب الدولية لسياسة الهجرة. وفي مؤتمر صحافي أعقب القمة الأوروبية الطويلة، قال سانشيز: «لقد جعلنا ممكناً تعيين شخص مُعتمد ذي خبرة لتولّي منصب حيوي في السياسة الخارجية والدفاع المشترك». وتأمل إسبانيا أن تكون خلفية بوريل سبباً لإضفاء ثقلٍ على هذا الدور، فهو سياسي مخضرم منذ 1993، ومهندس ونقابي واقتصادي، التحق بصفوف «حزب العمال الاشتراكي» (الحاكم حالياً) في إسبانيا قبل نحو 45 عاماً، وانتُخب لعضوية البرلمان في عديد من الدورات، كما شغل منصب رئيس البرلمان الأوروبي بين عامي 2004 و2007.

جدلٌ في إسرائيل
تسبّب ترشيح بوريل بـ«إحباط صامت» في إسرائيل، حيث يتابع المسؤولون بحذر تغيّر «الحراسة» في الاتحاد الأوروبي، بعد اختيار شخص طرح أخيراً فكرة الاعتراف الأحادي الجانب بدولة فلسطينية، وأعرب عن دعمه القوي لإيران والاتفاق النووي، وإعجابه بالثورة الإسلامية، ولا سيما نجاحاتها على المستويين النهضوي والتعليمي. وهو يَخلُف وزيرةً «غير محبوبة في إسرائيل، بسبب دعمها العنيد لإيران وللاتفاق النووي، وبسبب خطّها الداعم للفلسطينيين». الإحباط الصامت تجلّى خصوصاً في تجنّب إسرائيل التعليق علانية، نظراً إلى أن البرلمان الأوروبي لم يصادق بعد على هذا الترشيح الصادر عن المجلس الأوروبي، لكن دبلوماسياً إسرائيلياً قال لموقع «تايمز أوف إسرائيل» إن «الأمور لن تكون سهلة معه». وترى صحيفة «إسرائيل اليوم» أن «اختيار قادة أوروبا لبوريل، بالإضافة إلى تعيينات أخرى، يرسل إشارات إلى أن التعاطف مع إيران والفلسطينيين سيستمرّ، جنباً إلى جنب خط المواجهة ضد إسرائيل والولايات المتحدة». وفي إشارة إلى مخاوف إسرائيل من التهديدات الإيرانية، قال بوريل لموقع «بوليتيكو» الأميركي في شباط/ فبراير الماضي: «سيكون الأمر سيئاً جداً بالنسبة إلينا إذا ذهبت إيران في اتجاه تطوير سلاح نووي... إيران تريد محو إسرائيل... ولا جديد في الأمر. عليكم التعايش مع ذلك».
احتفى سانشيز بالتعيين على افتراض أن نطاق عمل بوريل سَيَنْمو


تجدر الإشارة أيضاً إلى أن «علاقات الودّ» مفقودة بين بوريل، والرئيس الأميركي دونالد ترامب. لذا، دفع الأول، في أيار/ مايو الماضي، في ظلّ التوتر في الخليج، في اتجاه سحب فرقاطة عسكرية لبلاده من مياه الخليج، قائلًا إن وجود تلك الفرقاطة كان «لأسباب تنتهي مع رهان واشنطن على الحرب». لكنه، في الوقت ذاته، أكد، أول من أمس، أن «سفناً دورية تابعة للحرس الوطني الإسباني قامت بتأمين المنطقة»، حين أمرَت الولايات المتحدة حليفتها البريطانية باعتراض ناقلة النفط الإيرانية في جبل طارق، لأنها كانت تنقل نفطاً إلى سوريا.
لعلّ حالة الجدل التي أثارها تعيين بوريل، تعود أولاً وأساساً إلى مواقفه وتصريحاته ذات الطابع المختلف. فالوزير الإسباني «يتكئ على جدار فكري وأيديولوجي في رؤيته وتعاطيه مع الأحداث السياسية في العالم»، ومنها كاتالونيا التي ينحدر منها. لكن ذلك لا يعني أبداً أنه يؤيد حركة الاستقلال الكاتالونية. في آذار/ مارس الماضي، خرج من مقابلة مع محطة التلفزيون الألمانية «دي دبليو»، لدى سؤاله عن معاملة الزعماء الانفصاليين الكاتالونيين الذين سجنوا بعد إعلان الاستقلال الفاشل عام 2017. بوريل ليس من محبّي السلطات الإقليمية اللامركزية التي تحظى بقدر من الحكم الذاتي، بل هو يؤمن بالسيادة الوطنية، ويعتقد بأن الحكومات الوطنية هي وحدها القادرة على إدارة السياسة الخارجية. لكن إذا كانت الحكومات الوطنية، وليس الحكومات الإقليمية، قادرة على إدارة السياسة الخارجية، فماذا عن الحكومات فوق الوطنية، مثل الاتحاد الأوروبي؟