إسطنبول | تفيد المعلومات، منذ فترة طويلة، بخلافات جدّية بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ومعظم مؤسسي حزب «العدالة والتنمية»، في مقدّمتهم الرئيس السابق، عبد الله غول. اكتسبت هذه المعلومات أهمية إضافية بسبب سياسات الإقصاء التي انتهجها أردوغان ضد معارضيه داخل الحزب، وسبقتها حملات عنيفة استهدفت جميع معارضيه، أياً كانت ميولهم وانتماءاتهم السياسية، وفي مقدّمتهم الصحافيون وأساتذة الجامعات والمثقفون والسياسيون الذين لا يريد لهم أن يعرقلوا سياساته الداخلية والخارجية. سيطر الرئيس على جميع مؤسسات الدولة ومرافقها بعد محاولة الانقلاب في 15 تموز/ يوليو 2016، إذ تخلّص من جميع أتباع الداعية فتح الله غولن وأنصاره داخل المؤسستين العسكرية والأمنية، وأحكم سيطرته على المخابرات والقضاء. وهو يتصرف كما يشاء بجميع إمكانات الدولة مالياً، من دون أي رقابة أو محاسبة من أي جهة قضائية أو تشريعية، بعد أن أحكم سيطرته على البرلمان في انتخابات 24 حزيران/ يونيو 2018. كانت كل هذه التطورات كافية بالنسبة إلى معارضي أردوغان للتحرّك إعلامياً وشعبياً، وبالتالي حزبياً حتى، وإن استطاع الرجل كسب البعض منهم بأساليبه الخاصة، ومن هؤلاء رئيس البرلمان ونائب رئيس الوزراء السابق، بولنت أرينج، الذي عيّن أردوغان نجله عضواً في البرلمان، مع معلومات صحافية تتحدّث عن إغراءات مادية. ومع كل ذلك، فشل أردوغان في مساعيه لإسكات الرئيس السابق، عبد الله غول، الذي عبّر أكثر من مرة عن عدم ارتياحه لمسار السياسات الداخلية والخارجية. أرسل أردوغان وزير دفاعه، خلوصي آكار، ومستشاره، إبراهيم كالين، للقاء غول. حطّت المروحية العسكرية، التي كانت تقلّهما على سطح منزل غول في أواخر نيسان/ أبريل 2018. اعتبر الأخير هذا الأسلوب تهديداً مباشراً له، لأنه كان يفكر، بدعم من المعارضة، في منافسته في الانتخابات الرئاسية التي جرت في حزيران العام الماضي، وأصبح أردوغان فيها رئيساً لتركيا بعد تغيير النظام البرلماني إلى رئاسي.وعاد الحديث من جديد عن استعدادات غول لإعلان تمرّده على أردوغان، بشكل مباشر أو غير مباشر، ومن خلال المقرّبين منه، ومنهم نائب رئيس الوزراء ووزير الاقتصاد السابق، علي باباجان. تحدّثت المعلومات قبل أيام عن لقاء سرّي بين الأخير وبين أردوغان نوقشت خلاله كل التطورات السياسية والاقتصادية، وأبلغ باباجان، أردوغان، عدم ارتياحه إليها. وأفادت المعلومات بأن أردوغان فشل في إقناع باباجان بالانضمام إلى حكومته والتخلي عن مشروعه لتشكيل حزب سياسي. وتتحدث المعلومات أيضاً عن تحركات باباجان الداخلية والخارجية مع شخصيات مهمّة، لما له من علاقات واسعة مع الأوساط المالية العالمية حيث كان وزيراً للاقتصاد. رافقت كل ذلك اتصالات مكثّفة يجريها غول مع أوساط عديدة، بعد أن أعطى أكثر من إشارة على اعتراضه على سياسات أردوغان. واكتسبت كل هذه التطورات أهمية إضافية لتوقيتها الزمني الذي صادف أحاديث أحزاب المعارضة التي تدعو إلى العودة إلى النظام البرلماني. يحمّل العديد من مسؤولي الحزب الحاكم، علناً، أردوغان مسؤولية الخسارة الفادحة في الانتخابات البلدية. وكان رئيس الوزراء السابق، أحمد داود أوغلو، سبّاقاً في هذا المضمار، حيث أصدر في 22 نيسان/ أبريل بياناً طويلاً تحدّث فيه عن أخطاء أردوغان داخلياً وخارجياً من دون أن يسمّيه، داعياً الجميع إلى العمل المشترك من أجل معالجة هذه الأخطاء التي ارتُكبت بعد الانتقال إلى النظام الرئاسي، معتبراً تلك السياسات سبباً للكثير من المشاكل الخطيرة التي تواجهها تركيا داخلياً وخارجياً.
وتتناقض المعلومات حول العلاقة المحتملة بين مبادرة داود أوغلو وكلّ من غول ـــ باباجان، خصوصاً أن الجميع يعي جيداً أن أردوغان لن يقف مكتوف اليدين تجاه هذه التحركات، حتى لو كانت من رفاقه السابقين الذين تخلص منهم بأسلوبه الخاص لأنهم رفضوا «مبايعته»، فيما يبدو واضحاً أن هؤلاء الرفاق بدورهم لن يفوّتوا الفرصة للانقضاض على أردوغان بعد أن لقّنته المعارضة درساً مهمّاً في الانتخابات البلدية التي كانت بمثابة انتخابات رئاسية، لأنه هو الذي كان يقود الحملة الانتخابية بمفرده.
يبدو واضحاً أن غول وباباجان وداود أوغلو والآخرين يراهنون الآن على الهزائم والخسائر التي ستلحق بأردوغان خلال الفترة المقبلة على صعيد السياستين الداخلية والخارجية، ومشاكلهما كثيرة ومستعصية جداً بسبب أخطاء الرئيس ونهجه العدائي في التعامل مع الجميع. وتتوقّع المعلومات لغول وباباجان وداود أوغلو النزول إلى الشارع في أيلول المقبل، وهو الموعد المحتمل لإعلان تحركات سياسية أو تشكيل أحزاب جديدة مع استعدادات أحزاب المعارضة لتضييق الحصار على أردوغان وإجباره على إجراء استفتاء شعبي من أجل العودة إلى النظام البرلماني، وإلا فإن نهاية أردوغان ستكون أقرب بكثير ممّا يتوقعه البعض في الداخل والخارج. ويتوقع البعض انشقاق نحو 100 من أعضاء البرلمان عن «العدالة والتنمية»، وانضمامهم إلى حزب غول وداود أوغلو، وهو ما سيفقد الحزب الأغلبية في البرلمان. ودون هذه الأغلبية، لن يكون سهلاً على أردوغان أن يحكم البلاد بالشكل الذي هو عليه الآن، هذا بالطبع إن لم يكن هو الآخر يحضّر لمفاجآت..
ويبقى الرهان الأكبر على مستقبل أردوغان السياسي الذي يعرف الجميع أنه لن يكون طويلاً بعد هزيمة العاصمتين، السياسية أنقرة، والمعنوية إسطنبول، وهي الأهم بالنسبة إلى أردوغان الذي كان رئيساً لبلديتها قبل 25 عاماً، ثم أصبح رئيساً للوزراء والآن رئيساً للجمهورية، وكل ذلك بفضل رفاقه الذين أسسوا حزب «العدالة والتنمية»، وفي مقدمتهم عبد الله غول، الزعيم الأول للحزب وأول وزرائه بعد انتخابات تشرين الثاني 2002، حين كان أردوغان آنذاك ممنوعاً من العمل السياسي. تخلّص أردوغان من جميع رفاقه السابقين خلال 17 عاماً من حكم «العدالة والتنمية»، وكانت هذه الفترة كافية لإقامة حكم فردي مطلق، أراد من خلاله أردوغان أن يساعده على إحياء ذكريات السلطنة والخلافة والتخلص قبل الذكرى المئوية لقيام الجمهورية (2023) من إرث مصطفى كمال أتاتورك، مؤسس هذه الجمهورية العلمانية التي أثبت الشعب في انتخابات إسطنبول أنه لا يزال متمسكاً بها!