بات الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأمسّ الحاجة لانتصار لفظي، على الأقل، على طهران، في الوقت الذي يراوح فيه مكانه أمام عدم الرضوخ الإيراني لسياسة «الضغط الأقصى» التي يمارسها. وفي إطار الاستعاضة عن العمل العسكري بتهديدات لفظية تصعيدية، لجأ أمس إلى أكثرها عدائية، فحذّر من أن أي هجوم على المصالح الأميركية سيؤدي إلى ردّ «ساحق»، قد تكون نتيجته «إزالة» إيران من الوجود. وفي خضم التوتر المتصاعد بين واشنطن وطهران، كتب تغريدة على موقع «تويتر»، أن «أي هجوم من جانب إيران على أي شيء أميركي سيقابل بقوة كبيرة ساحقة. في بعض النواحي، يعني الرد الساحق الإزالة» من الوجود. وأضاف أن «قادة إيران يفهمون فقط القوة، والولايات المتحدة أقوى قوة عسكرية في العالم إلى حدّ بعيد»، واصفاً تصريحاتهم بأنها «تنمّ عن جهل ومهينة للغاية».وفي ظل فشل سياسة العقوبات الأميركية في الوصول إلى مبتغاها، حافظ مستشار الرئيس الأميركي جون بولتون، على لهجة إيجابية، مروّجاً أنها ستأتي بإيران إلى طاولة المفاوضات. ورأى أن ترامب «ترك الباب مفتوحاً لإجراء مفاوضات حقيقية»، مضيفاً: «في المقابل، كان صمت إيران المطبق». وقال للصحافيين بعد اجتماع مع نظيريه الروسي والإسرائيلي في القدس المحتلة: «إما أن يفهموا المغزى، أو سنمضي قدماً ببساطة في ممارسة أقصى ضغوط». وأضاف: «أعتقد أن مزيجاً من العقوبات والضغوط الأخرى هو ما سيأتي بإيران إلى مائدة التفاوض».
تغريدة ترامب وتصريحات بولتون جاءت في وقت ردّت فيه طهران على العقوبات الأميركية الأخيرة، معتبرة أنها تغلق مسار الدبلوماسية، وهو الأمر الذي رأى الرئيس حسن روحاني، أيضاً، أنه يكشف عن «كذب» واشنطن. فقد قال خلال اجتماع مع الوزراء بُثّ على الهواء مباشرة: «في الوقت الذي تدعون فيه إلى التفاوض، تسعون لفرض عقوبات على وزير الخارجية. من الواضح أنكم تكذبون». كذلك، شكّك الرئيس الإيراني في المنطق خلف إدراج المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية آية الله علي خامنئي على قائمة العقوبات، مشيراً إلى أن القرار يعكس مدى «الإرباك» الذي تعاني منه واشنطن. وقال إن «ممتلكات المرشد (خامنئي) هي حسينية ومنزل بسيط. قادتنا ليسوا كقادة دول أخرى لديهم المليارات في حساب خارج البلاد يمكنكم فرض عقوبات عليها أو مصادرتها أو حجبها». كذلك، تساءل: «فرض عقوبات على ماذا؟ منعه من السفر إلى أميركا؟ هذا لطيف». روحاني ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، معتبراً أن «البيت الأبيض يعاني من إعاقة ذهنية ولا يعرف ماذا يفعل».
شمخاني: إيران ستوقف التزام بندين آخرين من الاتفاق النووي اعتباراً من 7 تموز


في غضون ذلك، تواصلت الردود الإيرانية على التصريحات والعقوبات الأميركية، فأعلن أمين المجلس الأعلى للأمن القومي أن بلاده ستوقف التزام بندين آخرين من الاتفاق الدولي بشأن برنامجها النووي، اعتباراً من السابع من تموز/ يوليو، بحسب ما نقلت وكالة أنباء «فارس». وأفادت الوكالة بأنها تلقت «مدوّنة خاصّة» من شمخاني، اعتبر فيها أن الدول الأوروبية تمارس ضغوطاً لإرغام إيران «على الاستمرار في تنفيذ الالتزامات» بموجب الاتفاق النووي «دون تنفيذ سائر الأطراف التزاماتها المتبادلة». ورأى أن البيان الأخير للدول الأوروبية الثلاث الموقعة على الاتفاق يأتي في إطار هذه الضغوط، واصفاً إياه بأنه «صلف سياسي».
يأتي ذلك فيما دعت هذه الدول إلى «تجنّب أي خطوة قد تقوّض» الاتفاق، الذي اعتبرت أنه «الركيزة الأساسية لنظام الحدّ من انتشار الأسلحة النووية في العالم وأمننا الجماعي». وفي باريس، ذكر مكتب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في بيان، أن الأخير أجرى اتصالاً هاتفياً بنظيره الإيراني، في إطار مبادرة فرنسية لمنع تصعيد التوتر في الشرق الأوسط، في وقت حذّر فيه وزير الخارجية الفرنسي جان ــ إيف لودريان من أن انتهاك إيران للاتفاق النووي المبرم عام 2015 سيشكل «خطأً فادحاً»، و«رداً سيئاً على الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة» على طهران. وقال إن باريس وبرلين ولندن «تحرّكت بكامل أجهزتها لجعل إيران تفهم أن ذلك لن يكون في مصلحتها». لكن في المدوّنة التي نشرتها وكالة «فارس»، لفت شمخاني إلى أن «أوروبا رفضت، حتى الآن، تحمّل أي ثمن من أجل إنقاذ» الاتفاق، ورأى أن بيان الدول الأوروبية الثلاث دليل على أن المفاوضات مع الأوروبيين من «دون طائل».
من جهته، أكد نائب وزير الخارجية عباس عراقجي أنه لم يعد هناك من سبب أمام بلاده لمواصلة التزاماتها الاتفاق النووي. ونقلت وكالة «فارس» عنه قوله: «بالإشارة إلى الوعود التي لم تنفذ من الجانب الأوروبي، لا يوجد سبب لإيران لتنفيذ التزاماتها من جانب واحد». وأشار إلى أن «إيران أبقت نافذة الدبلوماسية مفتوحة من خلال تقليص التزاماتها تدريجاً».
أما المتحدث باسم الحكومة الإيرانية علي ربيعي، فقد أكد أن فرض عقوبات على المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية علي خامنئي، إنما هو هجوم على الأمة. وكتب باللغة الإنكليزية على صفحته على موقع «تويتر»: «فرض عقوبات على المرشد الأعلى، الذي أصدر للمرة الأولى فتوى ضد كل أنواع أسلحة الدمار الشامل، هجوم مباشر على الأمة. هذا الإجراء سيزيد من وحدة الشعب الإيراني». وفي تغريدة منفصلة، قال ربيعي إنه إذا أقدمت الولايات المتحدة على فرض عقوبات على وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، فإن ذلك سيظهر عدم اهتمام واشنطن بإجراء مفاوضات.
من جهتها، أعلنت وزارة الخارجية الروسية، أن «الولايات المتحدة تتبع سياسة عدائية تجاه إيران بفرضها عقوبات اقتصادية على طهران». وتعليقاً على العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة، قالت في بيان إن «واشنطن تعمل باستمرار على فرض إملاءاتها على دول ذات سيادة، وتعمل عبر انتهاج سياسات عدائية على معاقبة كل من لا يطيعها». وأشارت إلى أن «واشنطن تدمر الجسور مع إيران، رغم تعهّدها ببناء حوار (مع طهران)، وقد تؤدي سياسة الولايات المتحدة إلى تعطيل النظام الأمني الدولي بأكمله، وليس فقط في الشرق الأوسط».
(الأخبار، رويترز، أ ف ب، الأناضول)