تقوم استراتيجية الدفاع الإيرانية على ثلاثة مرتكزات أساسية: القوات البحرية، الصواريخ الباليستية، وحلفاء إيران وأصدقاؤها في المنطقة. ويرجع احتلال القوة البحرية مركزاً رئيساً في الاستراتيجية الإيرانية إلى الجغرافيا الحاكمة، عبر إشراف الأراضي الإيرانية على مضيق هرمز ذي الأهمية الاستراتيجية، وعلى مياه الخليج الفارسي وبحر عمان. لذا، فإن فرض أكبر مستوى من السيطرة البحرية شكّل أولوية دائمة لدى القادة العسكريين في طهران، إذ يزود الجمهورية الإسلامية بوسائل التأثير على الاقتصاد العالمي بشكل كبير، ويمنحها مزيداً من أوراق القوة.
«إن إجراء التدريبات والتمارين للاستعداد للأهداف العملياتية، هو دائماً على جدول أعمالنا. والأميركيون والعالم كله يعلمون أن أحد الأهداف العملياتية للقوات البحرية في الحرس الثوري الإيراني هو تدمير القوات البحرية الأميركية»
القائد الأسبق للقوة البحرية
في «الحرس الثوري الإيراني»
الأدميرال علي فدوي
وكالة أنباء «فارس» - 2014


قبل عشرة أشهر من موعد تنفيذ عملية «فرس النبي ـــ 1988» الشهيرة، والتي جاءت رداً على انفجار لغم بحري إيراني بسفينة عسكرية أميركية في الخليج الفارسي ـــ أثناء مرافقتها ناقلات النفط الكويتية ـــ إبّان الحرب العراقية ــ الإيرانية، كانت القوات الأميركية المنتقاة لتنفيذ المهمة القاضية بتحييد منصتين نفطيتين في الخليج الفارسي تستخدمان من قبِلَ الحرس الثوري الإيراني لاستهداف ناقلات النفط العراقية والخليجية، قد بدأت تدريباتها في منطقة عمليات جنوب ولاية كاليفورنيا، المطلة على المحيط الهادئ. في البداية، كانت طواقم السفن، والقوات الخاصة الملحقة، تتدرّب على قواعد الاشتباك التقليدية، والتصدي للطائرات الصغيرة العالية السرعة، والطائرات المنخفضة التي تطير ببطء، بحسب رواية الكابتن ج. بيركينز الثالث من البحرية الأميركية، والذي كان ضابطاً مسؤولاً في المهمة. لاحقاً، بحسب بيركينز، أضيفت إلى التدريبات مناورات تركز على تكتيكات مواجهة صواريخ إيرانية تقليدية (أرض ـــ أرض)، والإبرار والتفتيش، وإجراءات حراسة القافلات البحرية، وتمارين الكشف عن الألغام وتدميرها. ببساطة، هذه كانت أقصى التهديدات التي يمكن أن تواجهها القوات الأميركية خلال تنفيذ مهمة في الخليج الفارسي.
تصميم: سنان عيسى | أنقر على الصورة لتكبيرها

المشهد العسكري اليوم في مياه الخليج يبدو مختلفاً إلى حد بعيد. لم تعد أي مهمة عسكرية في الخليج الفارسي أو مضيق هرمز وبحر عمان تحتاج فقط إلى تدريبات عسكرية تقليدية، تكون فيها التهديدات محصورة ومعروفة. فلدى إيران اليوم الكثير من الأسلحة، بما في ذلك الألغام البحرية (سلاح حرب الناقلات الأشهر)، والغواصات المزودة بطوربيدات، وبطاريات الصواريخ البحرية المضادة للسفن، بالإضافة إلى عدد كبير من الزوارق السريعة، والتي تشير الإحصائيات المنشورة إلى أنها بلغت 88 زورقاً، بينما تؤكد أكثر المراكز العسكرية أن العدد يفوق ذلك بكثير. ومن هذه النقطة بالتحديد يمكن فهم العقيدة العسكرية لدى البحرية الإيرانية، إذ إن احتواء الأسطول الإيراني هذا العدد الكبير من الزوارق المتوسطة والصغيرة يرجع في الأساس إلى العقيدة القتالية البحرية المبنية على الدروس المستقاة من المعركة التي خاضتها في مواجهة الأسطول الأميركي الخامس أواخر الثمانينيات، والتي دُمّر على إثرها نصف الأسطول الإيراني. وبنيت هذه العقيدة العسكرية على استغلال الجغرافيا واستخدام أسلوب القتال «غير المتماثل» (يتبنى الحرس الثوري هذا الأسلوب بشكل خاص) لمحاربة قوة متفوقة تقنياً كالأسطول الأميركي. وتوفر المياه الضحلة للخليج الفارسي، والمياه الضيقة لمضيق هرمز، العديد من مزايا القتال للبحرية الإيرانية، إذ تعتقد الأخيرة أنها تستطيع التغلب على العدو في هذه المياه المحصورة، عن طريق استخدام أنواع مختلفة من أنظمة الأسلحة الصغيرة والمتحركة. وطوال السنوات الماضية، عملت البحرية الإيرانية بشقَيها التابعين للجيش والحرس الثوري، على تطوير قدراتها في أربعة مجالات أساسية: سفن الهجوم السريع والزوارق الصغيرة، والألغام البحرية، والغواصات الخفيفة، وصواريخ كروز المضادة للسفن.
وبحسب تقرير مطوّل نشره مكتب الاستخبارات البحرية الأميركية حول البحرية الإيرانية، فإن قادة البحرية في الحرس الثوري الإيراني «يزعمون أنهم في حال نشوب نزاع، سوف يتحركون بسرعة لمهاجمة وتدمير سفن العدو الموجودة في الخليج الفارسي ومضيق هرمز. وهم يعتقدون أن غرق عدة سفن حربية للعدو في المراحل الأولى من الصراع، من شأنه أن يكسر إرادة الخصم لمواصلة الحملة». ولفهم الموقف أكثر، يمكن العودة إلى عملية تفجير المدمرة الأميركية «يو إس إس كول» في 12 تشرين الأول/ أكتوبر عام 2000، حيث كانت ترسو في ميناء عدن اليمني، وتم استهدافها بزورق «انتحاري» مفخّخ (اتُهم تنظيم القاعدة بالوقوف خلفه)، اصطدم بالمدمرة محدثاً انفجاراً خلّف في بدنها فجوة بطول 12 متراً. ويشار هنا إلى أن البحرية الإيرانية قد تمكنت من تطوير زوارق «مسيّرة»، ما يعني أن هذا المشهد يمكن أن يتكرر في حال اندلاع مواجهة، وقد يؤدي إلى إغراق عدد من السفن الأميركية بشكل سريع ومباغت، خصوصاً أن السفن الكبيرة لا تستطيع رصد هذه الزوارق وتدميرها بسبب سرعتها وصغر حجمها.
تعدّ الألغام البحرية عنصراً أساسياً في استراتيجية الدفاع الإيرانية


وإضافة إلى الزوارق، تعدّ الألغام البحرية عنصراً أساسياً في استراتيجية الدفاع الإيرانية في مضيق هرمز والخليج الفارسي. ولقد أدرك العسكريون الإيرانيون تأثير الألغام البالغ، من خلال تجربة حرب الناقلات. لذلك، استثمرت القيادة العسكرية في تصنيع هذه الألغام والسفن المخصصة لزرعها. وقد عمد الحرس الثوري إلى استخدام سفن أصغر وأسرع في زرع الألغام، ومنها قارب «عاشوراء» الصغير، ذو السرعة العالية. كما استثمر الإيرانيون في الغواصات الصغيرة، إذ يعدّ أسطول الغواصات الإيراني كبيراً نسبياً. ويتضمن غواصات خفيفة تكمن أهميتها في قدرتها على العمل في مياه الخليج الضحلة، التي لا تسمح للغواصات الثقيلة بالمناورة فيها. وأحدث هذه الغواصات اسمها «فاتح»، ومزودة بمنظومة إطلاق وتوجيه صواريخ «كروز» البحرية، كما يمكن تجهيزها بـ4 طوربيدات، و8 ألغام بحرية، وطوربيدين احتياطيين.
وعلى صعيد موازٍ، طوّرت إيران أنظمة صاروخية مختلفة للتعامل مع التهديدات البحرية. وتوفر المساحة المائية الضيقة في مضيق هرمز، إضافة إلى المساحات الشاسعة من الخط الساحلي، مواقع إطلاق مثالية لصواريخ «كروز» الساحلية. وخلال العقد الماضي، وسّعت إيران من قدرتها على إنتاج صواريخ كروز الصينية «C802» و«C700» محلياً. ومن هذه النماذج، صاروخا «نور» و«قادر»، ويبلغ مدى الأول 120 كلم، بينما يبلغ مدى الثاني 300 كلم. كما عملت القوات الإيرانية على إضافة تعديلات على الصواريخ الباليستية، لتصبح قادرة على استهداف السفن. وأبرز هذه الصواريخ «خليج فارس»، و«هرمز ــ 1»، و«هرمز ــ 2»، التي يبلغ مداها 300 كلم.