لم يعد الانقسام داخل التجمعات اليهودية في إسرائيل خافياً، على رغم أن انعكاساته بعيدة نسبياً عن الأضواء. هو ليس موجوداً فقط، بل عنيف إلى الحدّ الذي يُمكن أن يؤثر سلباً على طابع الدولة ومستقبلها، وإن كانت «الخلطة» الإسرائيلية حتى الآن قادرة على احتوائه. يتعلق هذا الانقسام بالقيم، وأسلوب العيش، والعلاقات الاجتماعية، والتطلعات الشخصية والجماعية، والموقف من الدولة ومن الشريك في المواطنة والشريك في الدين والتراث. كل هذه الاختلافات ترتكز على قاعدتين رئيستين: دور الدين وتأثيره في إسرائيل، وموقع المتدينين المتزمتين ومكانتهم فيها.كل يهودي في إسرائيل هو واحد من أربعة: إما متديّن متزمّت (حريدي)، وإما متديّن صهيوني، وهما الشريحتان اللتان باتتا تحت مسمّى واحد في الفترة الأخيرة هو المتدينون، وإما يخلط في حياته اليومية والتزامه العقائدي وتطبيقه الأحكام الدينية بين التديّن والعلمنة (وهؤلاء نسبتهم تكاد تكون ثابتة)، وإما علماني وهو الأكثر انفتاحاً على الآخرين، وإن كان يكنّ عداوة للمتدينين، ويتعامل معهم بوصفهم تهديداً. وعلى رغم أن اليهود المتدينين والعلمانيين يحملون تعريفاً مشتركاً للهوية، أي اليهودية، ويتشاركون في العديد من التقاليد، إلا أنهم من عوالم اجتماعية مختلفة، فلا صداقات بينهم ولا زيجات مختلطة، إلا في استثناءات تكون لافتة جداً، مع انفراد اجتماعي وجغرافي وحدود صادّة بين الجانبين.
يظهر استطلاع للرأي نشر أخيراً في إسرائيل، أصدره «مركز بيو للدراسات»، أن اليهود العلمانيين يتعاملون مع فرضية إقدام أحد أولادهم على الزواج بـ«حريدي» أو «حريدية»، والعكس أكثر من صحيح لدى المتدينين، على أنها فرضية قاتلة تعادل فقدان الابن أو الابنة نهائياً، بل إن العلماني يرى أن الزواج من غير اليهود أكثر مقبولية لديه من الزواج من «الحريديم»، فيما هو محرّم حرمة مطلقة إلى حدّ اعتبار أن الزواج غير قائم لدى المتدينين. أيضاً، تتجلى الاختلافات في التعامل مع العديد من مسائل السياسة العامة والاجتماع، وأسلوب العيش، وحدود المحرمات والواجبات، والممكن اجتماعياً ودينياً، بما في ذلك الزواج والطلاق، والتهوّد والخدمة العسكرية، والفصل بين الجنسين، والتنقل الخاص والنقل العام، وفتح المتاجر والحركة والتنقل بشكل عام يوم السبت.
ويعمل المتدينون، بما يشمل «الحريديم» والمتدينين الصهاينة، على دفع الحكومة الإسرائيلية إلى تقوية المعتقدات والقيم الدينية، وتعزيز أسلوب العيش والعلاقات البينية لدى اليهود وبينهم وبين الأغيار وفقاً لأحكام الشريعة اليهودية، فيما يدعم العلمانيون الفصل بين الدين والدولة. وإن كان معظم اليهود من المتدينين والعلمانيين يتفقون، من حيث المبدأ، على أن إسرائيل يجب أن تكون دولة ديموقراطية ويهودية، إلا أنهم يختلفون حول ما يجب أن يحدث لاحقاً في الممارسة العملية، وما إذا كان القرار الديموقراطي يتعارض مع القانون الديني؛ إذ إن الغالبية العظمى من اليهود العلمانيين تشدد على أن المبادئ الديموقراطية يجب أن تُعطى الأفضلية على القوانين الدينية، بينما ترى نسبة كبيرة مماثلة من المتدينين المتزمتين ــــ على اختلاف ميولهم ــــ أنه ينبغي إعطاء الأفضلية للقوانين الدينية.
الأهم من ذلك، هو أن هذه المجموعات منقسمة حول جوهر الهوية اليهودية: معظم المتدينين المتزمتين يعتقدون أن تحديد اليهودي مسألة دينية بحتة، في حين يرى العلمانيون أن الهوية اليهودية هي أصل عرقي، وتراث وثقافة وارتباط بالجماعة الواحدة. وعليه، تحمل الهوية اليهودية في إسرائيل كثيراً من التعقيدات المبنية على تصوّرات ومواقف متعارضة أو متباينة، ربطاً بنسبة التديّن أو نسبة العلمنة لدى مختلف الشرائح، وهي جزء من سلّة اختلافات تتعلق بالموقف من الدين والأصل العرقي والجنسية والعلاقات الأسرية. يَرِد في بحث استقصائي لـ«مركز بيو للدراسات»، نُشرت خلاصته عام 2015، أسئلة وُجِّهت لليهود الإسرائيليين، ومن بينها: «ما هو دينك، إن كان لديك اعتقاد ديني؟»، فأجاب الغالبية الساحقة بأنهم يهود، «على رغم أن حوالى نصفهم وصفوا أنفسهم بالعلمانيين، في حين أن واحداً من كل خمسة من اليهود صرّح بأنه لا يؤمن بالله». في الاختلاف أيضاً، معظم اليهود العلمانيين يرون أنهم إسرائيليون أولاً ويهود ثانياً، فيما يرى معظم المتدينين أنهم يهود قبل أن يكونوا إسرائيليين.