باتت خيارات رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، في سعيه إلى تشكيل حكومته الخامسة، ضيقة جداً، بعد فشل مفاوضاته مع رئيس حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، الذي اشترط ما يتعذر على نتنياهو مجاراته فيه. ويأتي التعثر بعدما رفض ليبرمان أي تنازل عن اشتراط سنّ قانون يلزم طلاب العلوم الدينية (الحريديم) بأداء الخدمة العسكرية الإجبارية، وهو ما ترفضه الأحزاب الدينية، وتشترط في المقابل إلغاءه، علماً أن نتنياهو بحاجة إلى ضمّ الجانبين إلى تشكيلة حكومته المقبلة لتأمين الأغلبية اليمينية في الكنيست.ومع اقتراب المهلة القانونية المعطاة لنتنياهو من نهايتها يوم الثلاثاء المقبل، من دون أي بادرة لحلحلة تناقض المواقف بين الجانبين، باتت فرضية التوجه إلى الانتخابات من جديد أكثر من معقولة. على هذه الخلفية، بدا تراشق الاتهامات بين «الليكود» و«إسرائيل بيتنا» حول من يتحمّل مسؤولية إفشال تشكيل حكومة اليمين جزءاً من الحملة الانتخابية المقبلة للجانبين، على رغم أن فرصة التوّصل إلى تسوية تبقى قائمة حتى الساعة الأخيرة من المهلة القانونية.
وكان نتنياهو قد جمع أحزاب اليمين التي سمّته لتشكيل الحكومة في «لقاء طارئ» تخلّف عنه ليبرمان، وتقرّر في أعقابه التوجه إلى تقديم حكومة من ائتلاف ضيق يضمّ 60 عضواً من أعضاء الكنيست، على أن يُدعى ليبرمان إلى الانضمام إليه. صيغةٌ سارع ليبرمان إلى رفضها أمس، معلناً أنه سيصوّت ضد حكومة لن يكون جزءاً منها. ورأى أن حكومة كهذه ليست يمينية، بل حكومة «شريعة توراتية» تستند إلى الابتزاز.
ويتيح القانون الإسرائيلي للائتلاف نيل الثقة بأغلبية أعضاء الكنيست الموجودين في القاعة العامة لدى التصويت على الثقة، الأمر الذي يعني أن ائتلافاً من 60 عضو كنيست، في حال غياب أعضاء حزب «إسرائيل بيتنا» عن الجلسة (خمسة أعضاء)، سيكون كافياً لنيل الثقة، علماً أن حجب الثقة لاحقاً يتطلب بحسب النص القانوني أغلبية 61 عضو كنيست.
وكشف ليبرمان، في حديث مع الإذاعة العبرية، أنه تلقى «عروضاً» من «الليكود» بتشكيل حكومة أخرى، في إشارة منه إلى إمكانية تسمية شخصية «ليكودية» غير نتنياهو لتشكيل الحكومة، إلا أنه أعرب أيضاً عن رفضه ذلك، وقال إن «هذه هي المرة الأولى منذ قيام الدولة التي يفوز فيها أحدهم بانتخابات كبيرة ويفشل في تشكيل حكومة، وكل ذلك بسبب الغرور والغطرسة». وشدد على أن شرط إقرار قانون التحاق الحريديم «شرط لا رجعة فيه، وقد انتهت الأيام التي يتراجع فيها العلمانيون أمام الابتزاز الديني، حتى ولو أدى ذلك إلى انتخابات مبكرة، وفي هذه الحالة يكون نتنياهو هو الذي أفشل تشكيل حكومة اليمين بسبب رضوخه لابتزاز الأحزاب الدينية».
من جهته، أعرب رئيس طاقم التفاوض في «إسرائيل بيتنا»، عوديد فورر، عن استغرابه رضوخ «الليكود» في كل مرة لمطالب «الحريديم»، «فيما يَطلب منّا أن نتخلى عن مبادئنا». وأكد أن حزب «إسرائيل بيتنا» معنيّ بالانضمام إلى الحكومة، لكنه لن يتنازل في شأن قانون التجنيد. وأضاف فورر، في حديث إذاعي، أنه في حال بقاء حزبه خارج الائتلاف الحكومي، فلن يمنح الثقة لحكومة تعتمد على ستين عضو كنيست، إذ من شأن حكومة كهذه قيادة إسرائيل إلى دولة دينية.
في المقابل، ردت مصادر في «الليكود» على ليبرمان، وطالبته بالانضمام إلى حكومة يمينية يرأسها نتنياهو. وذكرت المصادر، في حديث مع الإذاعة العبرية، أنه «لن يكون هناك بديل آخر، تماماً كما قرر قادة الأحزاب السياسية أمس». واتهمت المصادر، ليبرمان، بصورة غير مباشرة، بالعمل لمصلحة اليسار، وهي التهمة التي تُعدّ في الوسط اليميني إهانة، قائلة: «يجب أن نجد طريقة مشتركة لتشكيل هذه الحكومة، ومنع تشكيل حكومة يسارية». وإزاء احتمال حكومة من ائتلاف ضيق وبثقة محدودة، أشارت المصادر نفسها إلى أنها لا تعوّل كثيراً على «حكومة الستين»، وتوقعت ألا تصمد طويلاً أمام الضغوطات، ورأت أنه لن يكون هناك مناص من حلّ الكنيست وإعلان انتخابات جديدة.
المشهد التفاوضي الذي انتقل من الغرف المغلقة إلى العلن، مع توجيه الاتهامات والتهديد بانتخابات جديدة، لا يعني بالضرورة ـــ على رغم كل ما يتردّد من مواقف متشددة وتعنت ــــ أن الثلاثاء المقبل سيمرّ من دون إعلان الحكومة، وإن كانت الفرضية أيضاً قائمة. فكلا الجانبين لا يريدان المسارعة إلى التنازل أو الذهاب إلى تسوية قبل انقضاء مهلة التكليف، ضمن ما يمكن وصفه بـ«صراع إرادات حتى اللحظة الأخيرة».