تبلغ المملكة السعودية ذروة الارتهان للولايات المتحدة، مُؤدّية فروض الخضوع الكامل لمعسكر الهيمنة والابتزاز بقيادة دونالد ترامب. عن إدراك ووعي، تتنطّح الرياض لخوض معركة واشنطن، جنباً إلى جنب مع الكيان الإسرائيلي، وقوداً بخساً لمشروع ضرب المنطقة وتمزيقها والإجهاز على قضاياها التاريخية. تجاوز حكام الجزيرة العربية من آل سعود مرحلة الخجل، قفزاً إلى دور فاضح في تثبيت المشروع الأميركي. وبعد المواقف السعودية الأخيرة، لم يعد التمييز ممكناً بين ما يعدّه الأميركيون لإيران أو للقضية الفلسطينية، في ظلّ ترتيب المنطقة على أساس اصطفافين اثنين لا ثالث لهما: إما معاداة إيران والارتماء في الخندق السعودي ـــ الأميركي ـــ الإسرائيلي الذي يسرّع السير في مشروع «صفقة القرن» بموازاة ضرب إيران كسلّة واحدة، وإما اختيار التمرّد والمقاومة أو حتى الحياد وبالتالي القبول بدفع ثمن «غضب» المملكة وحليفها الأميركي.اليوم، يستفيق سلمان بن عبد العزيز على عقد قمم عاجلة: قمة خليجية وأخرى عربية على هامش القمة الإسلامية. قمم لن يتداعى إليها زعماء العرب والمسلمين لتباحث خطر «صفقة القرن» الداهم، الذي يخرج البيت الأبيض اليوم أولى فرماناته. يستغلّ آل سعود من جديد «الحرمين الشريفين» استكمالاً لعملية حرف البوصلة ودور الرافعة لواشنطن وتل أبيب وإشعال الفتن في المنطقة لصالحهما، ظناً منهم أن الطريق إلى تأمين العروش يمرّ بخيانة الأمة وتبذير ثرواتها في حفلة الابتزاز الترامبي. يدرك نظام الرياض كل ما تقدّم، وهو الذي شرّع بالأمس أكثر فأكثر سماءه وبحره وبرّه لآلة العدوان الأميركية بما يعيد إلى الذاكرة حرب الخليج. إلا أن ما يتغاضى عنه أن سعاره، المتجاوز حماسة السيد الأميركي، لن يرتدّ عليه بغير خيبة وخذلان جديدين، وأن الثمن الباهظ ستدفعه مشيخات الخليج حين تترك هذه المحميات الأميركية عرضة للاختبار في أمنها واقتصادها.
في وقت يؤكد فيه كل الأطراف في المنطقة عدم رغبتهم في خوض مواجهة عسكرية على رغم اشتداد الحرب الكلامية وتكثيف الرسائل الأمنية، تحاول الرياض الاستفادة من التصعيد القائم للتجييش والتحشيد بوجه طهران. تحرّكات تأتي في إطار رفع واشنطن جهوزية حلفائها في المنطقة، مع إعلان الأسطول الخامس الأميركي (مقرّه البحرين) أن الدول الخليجية بدأت «دوريات أمنية مكثفة» في مياه الخليج، بموازاة الإعلان عن إجراء مناورات للبحرية الأميركية في بحر العرب بمشاركة حاملة الطائرات «أبراهام لينكولن» الهجومية، ومجموعة الحاملة «كيرساج» للإنزال البرمائي، ووحدة المشاة البحرية الـ22. يأتي ذلك بعد معلومات كشفتها وسائل إعلام سعودية عن موافقة خليجية على طلب أميركي لـ«إعادة انتشار» القوات الأميركية في مياه الخليج وعلى أراضي الدول الخليجية، بهدف «القيام بعمل مشترك بين واشنطن والعواصم الخليجية، لردع إيران عن أي محاولة لتصعيد الموقف عسكرياً».
قائد الحرس الثوري: لا نسعى للحرب لكننا لا نخشاها أيضاً وعلى استعداد تام لها


ورُصد، أمس، اتصال بين وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، ذكرت وزارة الإعلام السعودية أنه جرى خلاله بحث «تطورات الأحداث في المنطقة والجهود الرامية لتعزيز أمنها واستقرارها». وفي مؤشر على نية الرياض تصعيد الموقف سياسياً، دعا الملك سلمان بن عبد العزيز إلى قمّتين «طارئتين»، خليجية وعربية، في مدينة مكة المكرمة، في 30 أيار/ مايو الجاري. وتتزامن القمّتان مع القمّة العادية لمنظة التعاون الإسلامي التي ستنعقد في مكة.
وأفصح مصدر في الخارجية السعودية، نقلت تصريحه وكالة الأنباء الرسمية، عن منحى التصعيد السعودي بالقول إن الدعوة إلى القمّتين «تأتي في ظلّ هجوم مليشيات الحوثي الإرهابية المدعومة من إيران على سفن تجارية بالمياه الإقليمية للإمارات، ومحطتي ضخ نفطية بالمملكة». رغم ذلك، فإن الرياض «لا تريد حرباً في المنطقة ولا تسعى لذلك»، وهي وفق وزير الدولة للشؤون الخارجية عادل الجبير «ستفعل ما في وسعها لمنع قيام هذه الحرب»، لكنها تؤكد في الوقت ذاته أنه «في حال اختيار الطرف الآخر (إيران) الحرب، فإن المملكة سترد على ذلك بكل قوة وحزم، وستدافع عن نفسها ومصالحها».
على المقلب الإيراني، أتت المواقف مشابهة، حيث استبعد وزير الخارجية، محمد جواد ظريف، احتمال اندلاع حرب في المنطقة، وأكد أن بلاده لا تريد الصراع، وفي الوقت عينه لا يمكن لأي دولة أن «تتوهّم أن بوسعها مواجهة إيران». من جهته، قال قائد الحرس الثوري، الميجر جنرال حسين سلامي: «لا نسعى للحرب لكننا لا نخشاها أيضاً وعلى استعداد تام لها».
وسط هذه الأجواء، خرج الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أمس، ليبقي التوتر على مستواه، عبر تغريدة كتب فيها: «إذا أرادت إيران القتال فستكون النهاية الرسمية لها. لا تهددوا الولايات المتحدة مرة أخرى أبداً». ولم يشر ترامب إلى مناسبة تغريدته، وما إذا كانت رداً على استهداف محيط السفارة الأميركية في بغداد قبل ساعات من التغريدة، أو التهديدات التي تحدّثت عنها واشنطن في الأيام الماضية وأرسلت بناء عليها حاملة الطائرات إلى المنطقة.