لم يكن مفاجئاً أن تدخل إسرائيل على خط الجدل المحتدم بين الدول الغربية وإيران، بعدما أعلنت الأخيرة تخفيض التزاماتها بموجب الاتفاق النووي وعزمها على رفع مستوى التخصيب لاحقاً. وكما هي العادة، لم يفوّت رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، الفرصة للإدلاء بدلوه من بوابة التهديد بأن إسرائيل «لن تسمح لإيران بحيازة سلاح نووي». وهو ما لا يخرج عن سياق الدعاية الإسرائيلية المدروسة، ومعزوفة التهديد المعتمدة منذ سنوات، التي يريد من ورائها نتنياهو أداء دور المتوثّب للهجوم كجزء من الضغوط السياسية والنفسية الممارَسة على الجمهورية الإسلامية.في الإطار نفسه، رأى نتنياهو أن إعلان إيران الأخير ليس إلا تعبيراً عن عزمها على «المضي في برنامجها النووي»، وهو ما يعني عملياً عودة التحدي النووي الإيراني إلى الواجهة الإسرائيلية بعدما غاب عن صدارة الاهتمام السياسي والإعلامي لسنوات. وتنطوي ردة الفعل الإيرانية، التي يفترض أن تتخذ مساراً تصاعدياً، على أكثر من رسالة بمعايير الأمن القومي الإسرائيلي. ومن أهم هذه الرسائل أنها أثبتت عدم ارتداع طهران في مواجهة التهديدات الأميركية والإسرائيلية، مثلما كانت تأمل تل أبيب.
قرار إيران الرد على الضغوط الأميركية سيستجلب تداعيات على إسرائيل


ويبدو أن هناك تقديراً في الكيان العبري بأن قرار إيران الرد على الضغوط الأميركية سيستجلب تداعيات على المؤسسة الإسرائيلية السياسية والعسكرية والأمنية. ولعلّ هذا ما دفع وزير الأمن السابق، أفيغدور ليبرمان، إلى القول إن «التحذير الذي وجّهته إيران يشكل خطراً فورياً وملموساً على المصالح الأمنية لدولة إسرائيل». وفي محاولته استشراف المسارات اللاحقة، وما ينبغي لإسرائيل القيام به، رأى ليبرمان أن على الدولة العبرية «الاستعداد لتفعيل الأذرع الإيرانية ضدنا، أو لضربة إيرانية مباشرة ضد أهداف إسرائيلية في المنطقة»، وهو ما يتعارض مع الاستراتيجية الردعية التي تعتمدها إيران، والقائمة على الردّ أو التلويح بالرد في مواجهة التهديدات والضربات التي قد تتعرض لها. وعليه، من غير المستبعد أن يكون ما أدلى به ليبرمان متصلاً بالمفاوضات الائتلافية التي يجريها مع نتنياهو، والتي يطالب خلالها بحقيبة الأمن.
ترى تقديرات أجهزة الأمن الإسرائيلية أن إيران لا تريد خرق الاتفاق النووي الذي وقعت عليه عام 2015، لكنها تتعرض لضغوط اقتصادية شديدة قد تؤدي إلى تغييرات إقليمية. وتحذّر الأجهزة الأمنية من أن هذه التغييرات تقتضي جمع المعلومات والفحص والرصد مما يشكّل تحدياً للأجهزة الاستخبارية، وخاصة بعد تحويل الأنظار عن المشروع النووي الإيراني منذ التوقيع على الاتفاق، وتركيز الموارد في نشاطات «المعركة بين الحروب»، وخاصة في سوريا. ومن أهم المفاعيل الاستخبارية لهذا المستجد النووي، أن اهتمامات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ستتركز على البحث في تغييرات في عملية اتخاذ القرار في طهران في ما يتعلق بالمشروع النووي، ومن بعد ذلك «النشاط الإرهابي» في الشرق الأوسط.
في السياق نفسه، انعكس الموقف الإيراني في وسائل الإعلام الإسرائيلية، التي رأت أن الجمهورية الإسلامية انتقلت إلى موقع مَن يمارس الضغوط المضادة في مقابل العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة. ورأت «القناة 12» في التلفزيون الإسرائيلي أن نتيجة القرار الإيراني هي أن «الإيرانيين سيبدأون بمراكمة مزيد من اليورانيوم المخصب بنسبة منخفضة، وسيكون لديهم من المياه الثقيلة أكثر مما كان لديهم في السابق». وأضافت أن «التهديد الإيراني الأساسي يكمن في حقيقة أنه إذا لم تُنفذ خطوات لتحسين الاتفاق في غضون شهرين، فسيذهبون حينها إلى بناء مفاعل المياه الثقيلة في أراك، الذي أُوقِف بموجب الاتفاق، وسيرون أنفسهم غير ملزمين بنسبة تخصيب 3.6% فقط»، وهو ما يعني أن إيران، وفق القناة، ستتجه إلى التخصيب بنسبة 10% إلى 20%. أما عن خلفية الخطوة الإيرانية وأهدافها، فاعتبرت القناة أن الغاية حثّ الأوروبيين والصينيين والروس على إجراء تغييرات في الاتفاق النووي.