بعد طعون عدّة وضغوط لأسابيع مارسها حزب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ألغت اللجنة العليا للانتخابات، أول من أمس، نتائج الاقتراع الذي جرى بتاريخ 31 آذار/ مارس، وفاز فيه أكرم إمام أوغلو من حزب «الشعوب الجمهوري» المعارض، برئاسة بلدية إسطنبول. وكان قد أُعلن فوز أكرم إمام أوغلو، في منتصف نيسان/ أبريل، بعد أسابيع من الجدل بشأن النتائج وإعادة فرز جزئي للأصوات. لكن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وحزبه «العدالة والتنمية» الحاكم، طالبا مراراً بإلغاء انتخابات إسطنبول بزعم حدوث مخالفات على نطاق واسع. وتفوّق إمام أوغلو على رئيس الوزراء السابق بن علي يلدريم، بنحو 13 ألف صوت، في المدينة التي يبلغ عدد الناخبين فيها عشرة ملايين ناخب، الأمر الذي واجهه أردوغان بالقول إنه مع هذا الهامش الضئيل «لا أحد يملك الحق في أن يقول إنه فاز».أردوغان سارع، أمس، إلى الترحيب بقرار إلغاء نتائج الانتخابات البلدية في إسطنبول، معلناً إعادة ترشيح الحزب الحاكم ليلدريم. لكن الاقتراع الجديد سيكون محفوفاً بالمخاطر، فيما تبقى المعارضة مصمّمة أكثر من أي وقت مضى، فضلاً عن أن الأوضاع الاقتصادية سيئة. وفي كلمة ألقاها خلال اجتماع للكتلة البرلمانية لحزب «العدالة والتنمية» الذي يترأسه، أعاد الرئيس التركي التأكيد أنّه لا يمكن تجاهل أو التغاضي عن المخالفات الواضحة التي شابت الانتخابات المحلية في إسطنبول. وقال: «نحن على ثقة كبيرة بحدوث تلاعب منظّم، وفقدان للشرعية ومخالفات في الانتخابات المحلية في إسطنبول». وأضاف: «نرى في قرار اللجنة العليا للانتخابات الخاص بإعادة انتخابات إسطنبول، خطوة مهمة لتعزيز ديموقراطيتنا».
القرار، الذي وصفته المعارضة بـ«الانقلاب في صناديق الاقتراع»، يفتح الباب أمام انتخابات جديدة في 23 حزيران/يونيو. وفي السياق، أعاد حزب «الشعب الجمهوري»، ترشيح أكرم إمام أوغلو لخوضها. وفي كلمة لزعيم الحزب كمال كليتشدار أوغلو أمام كتلته البرلمانية في العاصمة أنقرة، قال إن «إمام أوغلو ليس مرشح حزب الشعب الجمهوري فحسب، بل هو منذ هذه الساعة مرشح لـ16 مليوناً من سكان إسطنبول».
إمام أوغلو: الذين يتّخذون قرارات في هذا البلد ربّما وقعوا في الخيانة


وفي معرض ردّه على قرار إعادة الانتخابات في إسطنبول، انتقد كليتشدار أوغلو بشدة، أعضاء اللجنة العليا للانتخابات، متهماً إياهم بالانصياع لأوامر السلطة في البلاد. وإذ قال إن «الضمائر تغلي، يجب أن نوقف ما يجري»، فقد أشار إلى أن «المشكلة خرجت عن كونها مشكلة رئاسة بلدية إسطنبول، بل أصبحت مشكلة ديموقراطية، وأخلاق، وضمير في كل تركيا».
من جهته، وصف رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو القرار بـ«الخيانة». وقال إمام أوغلو، في خطاب أمام الآلاف من أنصاره في كبرى مدن البلاد، إنّ «أولئك الذين يتّخذون قرارات في هذا البلد ربّما وقعوا في الخيانة. ولكنّنا لن نستسلم أبداً، احتفظوا بالأمل». واتّسم خطاب رئيس بلدية إسطنبول بنبرة هجومية، إذ دعا أنصاره إلى «كفكفة دموعهم»، وقال: «سترون، سنفوز معاً جميعاً».
في غضون ذلك، أثار قرار اللجنة العليا للانتخابات مخاوف خارجية، فانتقده وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بوصفه «غير شفاف وغير مفهوم بالنسبة إلينا». وقال إن «إرادة الناخبين الأتراك هي فقط من يقرّر من يتولى رئاسة بلدية إسطنبول». كذلك، أكد أن «الحفاظ على المبادئ الديموقراطية مع ظروف انتخابية شفافة هما أهم أولوياتنا».
بالرغم ممّا تقدّم، يؤكد المحلّلون أن الجهود التي بذلها أردوغان لإلغاء نتائج الاقتراع في إسطنبول، تُظهر الأهمية التي يوليها لهذه المدينة التي تولى في الماضي رئاسة بلديتها. ويؤكدون أنه لم يكن من الممكن أن يخسر الرئيس إسطنبول من دون أن يحرّك ساكناً، نظراً لدلالتها الرمزية. وفي هذا الإطار، قال الأستاذ في جامعة بيلجي في إسطنبول إمري إردوغان، إن بلدية العاصمة الاقتصادية والديموغرافية للبلاد تسيطر على «موارد مالية مهمة سيعاد توزيعها» لدعم حزب «العدالة والتنمية». بالتالي، إن خسارة إسطنبول ستؤدي إلى «خسارة كبرى في حجم الأموال الموزعة على شبكات حزب العدالة والتنمية، ما قد يضعف ماكينته»، بحسب الأستاذ الجامعي.
وبالرغم من أن إمام أوغلو كان قد هزم يلدريم بفارق ضئيل جداً، إلا أن الفوز لا يبدو محقّقاً بحسب محلّلين، فيما ستكون الهزيمة الثانية كارثية لصورة الرئيس. وقال إمري إردوغان: «حالياً نسبة الفوز 50%».
من جهته، رأى الأستاذ في جامعة بيلكنت في أنقرة بيرك إسين، إنه في حال فوز يلدريم هذه المرة «سيكون فوزاً منتزعاً، لأن إمام أوغلو فرض نفسه مرشحاً قادراً على توحيد المعارضة».
(الأناضول، أ ف ب، رويترز)