فشلت محاولة زعيم المعارضة الفنزويلية، خوان غوايدو، قلب نظام حكم الرئيس الفنزويلي المنتخب نيكولاس مادورو، والتي استعان خلالها ببعض الضباط داخل الجيش، بعدما استطاعت المؤسسة العسكرية في كاراكاس احتواءها، بأقل من 24 ساعة، ليخرج مادورو ويعلن رسمياً في المساء إحباط الانقلاب، ويشير إلى أن معظم المشاركين في «التمرد» تم خداعهم. وبحضور قيادة الجيش، قال مادورو بفخر: «أنظار العالم أجمع كانت مشدودة نحو فنزويلا، التي قاومت اليوم محاولات الاستيلاء عليها من قِبَل الأوليغارشية الكولومبية والإمبريالية الأميركية». أما واشنطن، وبعد تبرير فشلها بتحميل هافانا وموسكو مسؤولية دعم مادورو، لجأت إلى محادثات مع روسيا تناولت الشأنين الفنزويلي والكوبي.وبعد يومين من الجهود الحكومية لمعرفة تفاصيل حدوث الانقلاب الفاشل، أعلن مادورو أمس أن محاولة الانقلاب «أُديرت مباشرة من البيت الأبيض». وفي كلمة له أمام أنصاره لمناسبة عيد العمال في كاراكاس، أكد أنّه «لن يتردّد في محاكمة المسؤولين عن الانقلاب وسجنهم»، داعياً الجيش إلى «محاربة جميع الانقلابيين». وفور دعوة مادورو، خرج ترامب ليدعو إلى إنهاء «القمع الوحشي». ومن البيت الأبيض قال ترامب أمس: «صلواتنا تواكب الشعب الفنزويلي في معركته العادلة من أجل الحرية... القمع الوحشي للشعب الفنزويلي يجب أن ينتهي سريعاً»، زاعماً أن «الفنزويليين جائعون، ليس لديهم طعام ولا مياه في بلد كان من الأغنى في العالم»، متناسياً الحديث عن العقوبات التي فرضتها حكومته لخنق كاراكاس، وعن حرب الماء والكهرباء التي يشنها ضدهم.
وبالتزامن مع بدء مسيرات مؤيدة وأخرى معارضة في جميع أنحاء فنزويلا، أعرب مادورو عن استعداد حكومته لتبني «خطة تغيير كبيرة» في الثورة البوليفارية، وأعلن يومي السبت والأحد المقبلين «يومين وطنيين رائعين للحوار، والإجراءات والمقترحات لجميع فروع سلطة الشعب، حتى يخبروا الحكومة البوليفارية ما ينبغي تغييره بداخلها من أجل خطة التغيير العظيمة». ولفت مادورو إلى أنه يريد تبني خطة «لتغيير كل شيء، للتحسين، لتصحيح الأخطاء». كما دعا أنصاره للخروج إلى الشوارع حال وقوع محاولة انقلاب جديدة.
أعرب مادورو عن استعداد حكومته لتبنّي «خطة تغيير كبيرة» في الثورة البوليفارية


كلام مادورو أتى بعد وعيد أميركي جديد بالتدخل العسكري في فنزويلا، حيث كان وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، قد قال إن «موقف الرئيس (الأميركي دونالد ترامب) كان واضحاً وثابتاً، العمل العسكري ممكن. إذا كان ذلك ضرورياً، ستنفذه الولايات المتحدة»، مستدركاً بالقول: «واشنطن تفضّل انتقالاً سلمياً للسلطة في فنزويلا». أما مستشار الأمن القومي الأميركي، جون بولتون، فنبّه الى أن «الروس يودّون السيطرة على بلد في هذا الجزء من العالم»، مضيفاً إن الأمر «لا يتعلّق بالأيديولوجيا، بل إنها سياسة السلطة القديمة. وهذا سبب وجود عقيدة مونرو التي نحاول التخلّص منها في هذه الإدارة، ولذلك أشار الرئيس إلى أن على الكوبيين التفكير طويلاً بما هو دورهم».
في المقابل، لم يهضم خوان غوايدو وحلفاؤه الأميركيون الفشل الذريع الذي حصل في كاراكاس، ما استدعى منهم الانتقال إلى خطة جديدة وهي «الإضراب العام». فأمس، دعا زعيم المعارضة إلى سلسلة إضرابات لإجبار مادورو على التخلي عن السلطة. وحث الموظفين العموميين على بدء الإضراب منذ أمس، وصولاً إلى إضراب عام في البلاد. وفي سلسلة تغريدات على موقع «تويتر»، وصف المرحلة بأنها «الخطوة الأخيرة من عملية الحرية، بانضمام عمال القطاع العام إلى الإضراب»، كما دعا المتظاهرين إلى البقاء في الشوارع. وتعليقاً على هذه الدعوة، قال رئيس «الجمعية التأسيسية»، ديوسدادو كابلو، إن تنفيذ إضراب غير ممكن.
في غضون ذلك، أكد نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، قيام موسكو وواشنطن بإعداد لقاء بين وزيري خارجية البلدين، سيرغي لافروف ومايك بومبيو، يوم 6 أيار الجاري. الإعلان عن الاجتماع أتى بعدما أكد لافروف أمس أن موقفَي موسكو وواشنطن إزاء الأزمة الفنزويلية لا يمكن التوفيق في ما بينهما، مبدياً في الوقت نفسه استعداد روسيا للحوار مع الولايات المتحدة حول هذا الموضوع. وكانت واشنطن قد بدأت عقب فشل الانقلاب بنثر الاتهامات على موسكو وهافانا. وقال بومبيو إن مادورو كان مستعداً لمغادرة البلاد إلى كوبا إثر «الانتفاضة العسكرية ضده»، لكن روسيا أقنعته بالبقاء، فيما نفى لافروف كلام بومبيو ووصفه بأنه «غير صحيح»، علماً بأن مادورو كان أول من أمس قد رد على الاتهام الأميركي بالقول: من فضلك لا تتمادَ في التفاهة يا سنيور!».
وأدرجت الخارجية الروسية تصريحات بومبيو في إطار «حرب إعلامية»، ورأت أن «المعارضة المتطرفة في فنزويلا لجأت مرة أخرى إلى مواجهة عبر القوة»، متهمة المعارضة بـ«تأجيج النزاع»، لكنها شددت في الوقت نفسه على «أهمية تجنّب الفوضى التي يمكن أن تُفضي إلى حمام دم». من جهتها، أكدت كوبا مجدداً أنها ليس لها قوات في فنزويلا، ووصفت المزاعم الأميركية بأنها «أكاذيب». وعلقت المسؤولة في الخارجية الكوبية، جوانا تابلادا، بالقول إنه «لا يمكنك سحب قوات ليست موجودة بالأساس من فنزويلا».



الصحف الأميركية: الخطة انهارت
ودوّى إخفاق مخطط واشنطن في الصحف الأميركية. فصحيفة «نيويورك تايمز» قالت إن كبار مستشاري الرئيس الأميركي استفاقوا الثلاثاء «مُعتقدين أن التمرد في الجيش الفنزويلي من شأنه أن يحفز الانتفاضة الشعبية ويطيح مادورو»، مستدركة بالقول إن الأخير «ظلّ في السلطة وترك مستشاري ترامب يحمّلون مسؤولية فشل خطتهم لروسيا وكوبا ومسؤولين فنزويليين مؤثرين أخفقوا في تغيير موقفهم». وأوضحت الصحيفة أن قرار الفنزويليين الوقوف وراء مادورو يثير أسئلة عدة ما إذا كانت واشنطن «تمتلك معلومات استخبارية خاطئة بشأن قدرة المعارضة على شق حكومة مادورو»، وما إذا كان «معاوِنو ترامب قد وقعوا ضحية قراءة خاطئة للأحداث على الأرض». ونقلت الصحيفة عن مسؤول سابق في إدارة ترامب قوله إن «المعارضة قد تكون مصدر المعلومات عن أن مسؤولين ثلاثة كباراً كانوا يفكرون في دعم غوايدو، غير أن تحديد بولتون الرجال يأتي في سياق خطوة مدروسة، بهدف زعزعة ثقة مادورو بهم». المسؤول أضاف أيضاً إن «السي آي إي والبيت الأبيض مختلفان بشأن كاراكاس»، موضحاً أن «بولتون وبومبيو لطالما انتقدا كوبا لدعمها الحكومة الفنزويلية بالرغم من أن تقييم الاستخبارات الأميركية هو أن دورها أقل أهمية بكثير مما يعتقد». بدورها، نقلت صحيفة «واشنطن بوست»، عن مسؤول أميركي تأكيده «انهيار الخطة التي وضعتها المعارضة الفنزويلية للانقلاب على مادورو»، مسلطة الضوء على «خلاف» بشأن اعتماد الخيار العسكري في كاراكاس، وخصوصاً بين وزارة الدفاع الأميركية ومستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون.