في قطاره المصفّح المُعتاد، وصل الرئيس الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، إلى فلاديفوستوك في أقصى شرق روسيا، لحشد دعم نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في مواجهته مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وذلك بعدما وصلت المفاوضات الأميركية ـــ الكورية الشمالية إلى مرحلة الجمود بعد قمة هانوي، وبعد التصعيد الأميركي الأخير في وجه كيم، الأمر الذي تطلّب رداً مماثلاً من بيونغ يانغ.كيم، الذي لم يلتقِ الرئيس الروسي، منذ وصوله إلى السلطة عام 2011، تعمّد اختيار هذا التوقيت، ليبعث برسالة تذكير للولايات المتحدة مفادها أن الزعيم الكوري الشمالي لديه خيارات أخرى في المنطقة. وسيتصدر اجتماع بوتين وكيم ملف إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وهو ما كان قد استبقه المبعوث الأميركي الخاص إلى كوريا الشمالية، ستيفن بيغون، بزياره لموسكو، سعياً منه للحصول على دعم الكرملن في هذا الشأن.
وإذا كانت مشكلة الأميركيين هي الملف النووي، فإن مشكلة الكوريين الشماليين هي العقوبات. فبعد فشل قمة هانوي، التي جمعت كيم بدونالد ترامب، لم يستطع الزعيم الكوري الشمالي تخفيف العقوبات التي تخنق بيونغ يانغ اقتصادياً. ومن هنا، سيسعى إلى إقناع بوتين بمساعدته في تخفيف عبئها، عبر تعزيز التعاون الاقتصادي بين بيونغ يانغ وموسكو. ورغم أن روسيا تطبق العقوبات التي فُرضت على كوريا الشمالية بالكامل، إلّا أنها ندّدت مراراً بسياسة العقوبات الاقتصادية، مؤكدة أنها «غير مجدية»، كما أنها انضمت إلى الصين في الدعوة إلى تخفيف العقوبات، تقديراً لخطوات كوريا الشمالية في الحد من التجارب النووية. هذا الأمر الذي كان كيم قد أكده، أمس، بالقول: «سيكون الاجتماع نقطة انطلاق لمحادثات مثمرة بشأن التعاون».
منذ تشديد الحصار على بيونغ يانغ، عام 2017، انخفضت التجارة بين روسيا وكوريا الشمالية من 60 مليون دولار في العام نفسه إلى 34 مليون دولار في عام 2018. وفي هذا السياق، ذكرت صحيفة «كوميرسانت» الروسية أنه مع تراجع التجارة بين موسكو وبيونغ يانغ بنسبة تزيد على 56% العام الماضي، تعمل روسيا وكوريا الشمالية على آلية لتحفيز التجارة من دون انتهاك العقوبات. وأضاف التقرير الصادر، أول من أمس، أن الجانبين سوف يشحنان البضائع، أحدهما إلى الآخر، خصوصاً تلك التي لا تخضع للعقوبات، فيما يتجنّبان مخاطر الغرامات المالية، عبر عدم استخدام الأموال، بل عبر تسوية المقايضة فقط.
يوجه كيم رسالة إلى واشنطن عبر القمة، وهي أن لديه خيارات أخرى في المنطقة تدعمه


إضافة إلى ذلك، يحمل كيم معه تخوّفاً يخصّ العمال الكوريين، إذ لا يزال نحو عشرة آلاف عامل كوري شمالي في روسيا. لكن بموجب قرار صادر عن الأمم المتحدة عام 2017، فإنه سيتعيّن على جميع العمّال المغادرة، بحلول نهاية العام الحالي. وقد كشفت الأرقام أن حوالى 500 مليون دولار من العملات الأجنبية (1.5%من الاقتصاد) تدخل سنوياً إلى كوريا الشمالية بفعل المغتربين.
ويريد كيم، بعد عقود من العقوبات والركود، تحسين البنية التحتية لكوريا الشمالية، خصوصاً السكك الحديدية. كذلك، تريد روسيا التي تشترك بحدود مع كوريا الشمالية، أن تتم ترقية السكك للوصول إلى أسواق الكوريتين. وقد عبّر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف عن هذه الرغبة، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بالقول إن «موسكو ترغب في العمل مع الكوريتين لتحديث روابط السكك الحديدية». تجدر الإشارة إلى أن هذا المشروع، في حال حصوله، سيمكّن من نقل البضائع الكورية الجنوبية إلى الصين وأوروبا وتوفير وصول أوسع (حوالى 6 تريليونات دولار من الموارد المعدنية) وفقاً لتقديرات صادرة عن معهد موارد كوريا الشمالية في سيول، عام 2013.
على المقلب الآخر، بدأت الصحف الغربية بتحليل أهداف اللقاء وأسبابه، منذ الإعلان عن زيارة كيم لروسيا. وقد رأت وكالة «أسوشيتد برس» أن بيونغ يانغ تريد زيادة تجارتها مع موسكو عشر مرات، بحلول عام 2020، (أي ما سيصل إلى مليار دولار)، مضيفة أنه «في الوقت نفسه لم تُبدِ روسيا من قبل اهتماماً كبيراً بالمشاريع المشتركة الواسعة النطاق مع كوريا الشمالية». ولفتت الوكالة إلى أن «كيم تأخر كثيراً في لقائه مع بوتين»، مشيرة إلى أن قرار الاجتماع كان جرّاء فشل المفاوضات مع الدول الأخرى. ورجّحت أن يكون التعاون بين البلدين «مفيداً من أجل إضعاف نفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، والتذكير بأن روسيا لاعب رئيسي في المنطقة».
بدورها، نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن المحلّل في مركز «هنري ستيمسون» ديفيد كيم، قوله إنه «يعتقد أن كيم جونغ أون يريد أن يظهر للصين أنها ليست الشريك الوحيد»، مضيفاً أن كيم «لا يريد أن يضع كل البيض في سلة واحدة». ولفت المحلّل إلى أنه في الوقت نفسه، 93% من التجارة الخارجية لكوريا الشمالية هي مع الصين، التي لا تستطيع الآن تزويد الجمهورية بالدعم الدبلوماسي الكامل، لأنها عالقة في الحروب التجارية مع الولايات المتحدة. أما صحيفة «واشنطن بوست»، فقالت إن «المفاوضات الناجحة مع كوريا الشمالية ستصبّ في مصلحة بوتين، وإن الرئيس الروسي سوف يكون قادراً على تقديم الاجتماع مع كيم جونغ أون على أنه عودة روسيا إلى وضع القوة الدبلوماسية العالمية».



بيونغ يانغ تقيل مفاوضها الأول مع واشنطن
بعد طلبها إبعاد وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، على خلفية تصريحاته الأخيرة التي وصف فيها كيم بأنه «طاغية»، أقالت كوريا الشمالية نائب رئيس اللجنة المركزية لحزب «العُمّال»، والمسؤول عن العلاقات مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، كيم يونغ تشول، وفق ما نقلته وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية. ولم تذكر الوكالة سبب هذه الإقالة، لكنها اكتفت بالإشارة إلى أن هذه الأنباء حصلت عليها من مسؤول في برلمان كوريا الجنوبية. يُذكر أن كيم يونغ تشول يترأس جهاز حزب «العُمّال» لكوريا الشمالية، الذي يقوم بتطوير الاتصالات مع كوريا الجنوبية والولايات المتحدة، وكان شخصية بارزة في القمة الثانية بين دونالد ترامب وكيم جونغ أون التي جرت في فيتنام. كذلك، كان يوصف تشول بأنه الذراع اليمنى لكيم جونغ أون، وقد قام بزيارات عديدة إلى واشنطن بوصفه المفاوض الأول لبيونغ يانغ، حيث أجرى عدة لقاءات مع المسؤولين الأميركيين.