طهران | في أعقاب تسنّم عمران خان رئاسة الوزراء في باكستان العام الفائت، وأول زيارة خارجية قام بها للرياض، ذهب البعض إلى الاعتقاد بأن الرجل يبتعد عن إيران تحت ضغط السعودية والإمارات. لكن ما بات جلياً أن عمران خان يبحث عن إيجاد «توازن» في العلاقات الخارجية، ولذلك هو يسعى إلى تنظيم العلاقات وتوسيعها مع جارة مهمة كإيران.تمتين التعاون الثنائي لـ«مواجهة الإرهاب»، ولا سيما في المناطق الحدودية، يمثّل أهم جانب لزيارة عمران خان لإيران. إذ تحدّث الرئيس الإيراني، حسن روحاني، خلال لقائه ضيفه الباكستاني، عن تشكيل «قوة الردّ السريع المشتركة» على الحدود بين البلدين لمكافحة الإرهاب. من جهته، اعتبر خان، في المؤتمر الصحافي المشترك مع روحاني، أن أهم دافع لزيارته هو إجراء محادثات حول موضوع الإرهاب. وتأتي زيارة رئيس الوزراء الباكستاني لطهران في وقت تحوّلت فيه قضية الأمن الحدودي والهجمات الدامية التي تتم على طرفَي الحدود إلى إحدى أهم القضايا ذات الاهتمام المشترك للبلدين، وتسبّبت أخيراً ببعض التوترات. وكان المسؤولون الإيرانيون قد وجّهوا انتقاداتهم لعدم تصدّي السلطات الباكستانية للمجموعات المسلحة المعارضة لإيران، بما فيها «جيش العدل» التي تنشط في المناطق الحدودية. كما كان روحاني قد حذّر قبل نحو شهرين، في اتصال هاتفي مع خان، من أن هذا الملف «يمكن أن يلقي بظلاله على العلاقات بين البلدين»، فيما هدّد بعض المسؤولين الإيرانيين بأنه في حالة عدم تصدّي الحكومة الباكستانية للمجموعات المسلحة، فإن القوات العسكرية الإيرانية ستهاجم هذه المجموعات داخل الأراضي الباكستانية. في المقابل، وفي أعقاب مقتل 14 مسافراً كانوا يستقلّون حافلة على طريق كراتشي، سلّمت وزارة الخارجية الباكستانية السفارة الإيرانية رسالة انتقدت فيها بشدّة «عدم تصرّف» إيران في التصدّي لـ«المجموعات الإرهابية المنتشرة في إيران».
رحّب روحاني بتأكيد خان عدم مشاركة باكستان في أي تحالف ضدها


لكن قادة باكستان وإيران أعلنوا اليوم أن قضية أمن الحدود ستشهد تغيراً. وقال خان من طهران صراحة: «لا يجب السماح للمجموعات شبه العسكرية بأن تتخذ من الأراضي الباكستانية منطلقاً لتنفيذ عمليات إرهابية ضد بلد آخر». وقبل يوم واحد من زيارة عمران خان، تحدّث وزير الخارجية الباكستاني، شاه محمود قريشي، عن إعداد «آلية سداسية» لتعزيز أمن الحدود المشتركة بين البلدين، وترحيب الجانب الإيراني ببناء سياج على الحدود بطول 950 كلم. ويُعدّ تأسيس مقرّ جديد لقيادة قوات الجيش في مدينة تربت في ولاية بلوشستان الباكستانية، وتشكيل وحدة جديدة في قوات حرس الحدود ومركز حدودي مشترك ودوريات مشتركة لحرس الحدود في البلدين، ومراقبة الحدود المشتركة بواسطة الطائرات العمودية، من ضمن هذه الإجراءات.
أحد أبعاد السياسة الخارجية لعمران خان، يتمثّل في التركيز على العلاقات الوثيقة مع جيران باكستان. إذ إن إيران تضطلع في هذا الإطار بدور رئيسي. ويذهب الكثير من المراقبين إلى أن زيارة خان تأتي في إطار إقامة توازن في ما يخصّ العلاقات مع إيران والسعودية. تأكيد باكستان أنها لن تشارك في أي «تحالف حربي» في المنطقة، كما ورد على لسان عمران خان لكسب ثقة إيران، لقي ترحيباً من المسؤولين الإيرانيين. وعلّق عليه الرئيس روحاني بالقول: «أنا سعيد بأن يؤكّد رئيس الوزراء أن باكستان لا ولن تشارك في أي تحالف حربي، وأن إرادة الطرفين قائمة على إحلال السلام في المنطقة»، مضيفاً إن «إيران وباكستان عازمتان تماماً على توثيق العلاقات الثنائية، وإن أي بلد آخر غير قادر على التأثير على العلاقة الودية والأخوية القائمة بين إيران وباكستان».
ويمكن اعتبار العمل على توسيع التعاون الاقتصادي، البعد الثاني لزيارة خان. إيران وباكستان عضوان في «منظمة التعاون الاقتصادي» (إكو) و«منظمة التعاون الإسلامي»، كما يشاركان بصفة مراقب في الاجتماعات الدورية لـ«منظمة شنغهاي للتعاون»، لكنهما، رغم وجود الحدود البرية المشتركة، لم ينجحا في تطوير العلاقات الثنائية. لم تبدِ إسلام آباد حتى الآن اهتماماً كما يجب إزاء مشروع مدّ خط أنابيب الغاز الإيراني، وذلك بسبب معارضة واشنطن للمشروع. لكن باكستان، وفي ظل قطع الولايات المتحدة مساعداتها عنها، باتت في مواجهة مع جملة من التحديات الاقتصادية التي يمكن أن تتحول إلى فرص. روحاني كشف عن اتفاق البلدين على زيادة التبادل التجاري والاقتصادي وتشكيل الدورة الـ 21 للجنة المشتركة بين البلدين. كما أفاد بأن بلاده تنوي زيادة صادراتها من الكهرباء إلى الجار الباكستاني 10 أضعاف. كذلك، كرّر الجانب الإيراني إبداء استعداده لسدّ احتياجات باكستان من النفط، واتخاذ الإجراءات اللازمة لاستكمال خط أنابيب الغاز. من جهة أخرى، أقدم البلدان على تشكيل «لجنة المقايضة» لمعالجة مشاكل التبادل المصرفي بينهما، لكي تتم تسوية صادرات البلدين ووارداتهما على شكل مقايضة وفي حساب خاص. وهي مسألة تكتسي أهمية بالغة بالنسبة إلى إيران التي تعمل على تقليص الضغوط الناتجة من العقوبات الأميركية.