لا تظهر طهران، منذ إعلان واشنطن إلغاء الاستثناءات لثماني دول من عقوباتها على النفط الإيراني، مطلع أيار/ مايو، ردّ فعل عمليّاً على القرار التصعيدي. في هذا الوقت، تنشغل دوائرها في تثبيت قواعد جديدة للمرحلة المقبلة، تفترض التعامل مع الواقع عبر برامج الالتفاف على العقوبات والحفاظ على حد أدنى من التصدير، فضلاً عن حماية الاقتصاد من التأثّر أبعد من الحدود الدنيا. ولا تزال التصريحات الرسمية تؤكد أمرين: الأول إدانة القرار «غير القانوني» والتقليل من شأنه لكونه «يظهر عجز» الإدارة الأميركية، كما رأى وزير الخارجية محمد جواد ظريف. الثاني، التأكيد على لسان مسؤولين آخرين، بينهم وزير النفط، أن واشنطن لن تحقق الهدف الاستراتيجي الذي وضعه الرئيس دونالد ترامب، ألا وهو «تصفير النفط».وفي تغريدة على «تويتر»، أمس، كتب ظريف: «زيادة الإرهاب الاقتصادي ضد إيران يظهر عجز الولايات المتحدة الأميركية ويأسها، والعجز المزمن لشركائها وأتباعها في المنطقة». بدوره، هاجم وزير الدفاع العميد أمير حاتمي، لدى وصوله أمس إلى موسكو للمشاركة في مؤتمر أمني، الرئيس الأميركي، معتبراً أن أهم موضوع يواجهه العالم اليوم هو «الظاهرة الترامبية»، مشبّهاً إياها بالظاهرة النازية، لأنها «جعلت الأمن العالمي يواجه أخطاراً جادة بخصائصها من قبيل الأنانية والظلم وانتهاك المبادئ الإنسانية والأعراف الدولية».
أما وزير النفط بيجن زنغنة، فرأى أن الولايات المتحدة «ترتكب خطأً سيئاً بتسييس النفط واستخدامه كسلاح في ظل الحالة الهشة للسوق». وأكد في جلسة برلمانية أن واشنطن لن تحقق حلمها بخفض الصادرات النفطية إلى الصفر، مضيفاً: «سنعمل بكل ما أوتينا من قوة من أجل كسر العقوبات الأميركية». وشكّك زنغنة بالقدرة على تعويض الإمدادات الإيرانية، مشيراً إلى أنه «لا يمكن التيقن من إنتاج نفط يكفي لتلبية الطلب... لأن بعض دول المنطقة تعلن عن طاقات إنتاج أعلى من مستوياتها الحقيقية».
شكّك زنغنة في القدرة على تعويض الإمدادات الإيرانية


في الصين، حيث أكبر مشترٍ للنفط الإيراني (بمعدّل أزيد من 585 ألف برميل يومياً)، أعلنت وزارة الخارجية أنها خاطبت رسمياً الولايات المتحدة. وقال متحدث باسم الوزارة إن بكين تعارض بحزم فرض واشنطن عقوبات أحادية الجانب، محذراً من أن القرار الأميركي «سيسهم في عدم الاستقرار بالشرق الأوسط وفي سوق الطاقة العالمية». وحثّت الصين الجانب الأميركي على «اتباع نهج مسؤول والاضطلاع بدور بناء وليس العكس»، وأن «يحترم بصدق مصالح الصين وبواعث قلقها وألا يتخذ أي خطوات خاطئة تضر بمصالح الصين». وأكد المتحدث باسم الخارجية الصينية أن التعاون «الطبيعي» للصين ودول أجرى في مجال الطاقة مع إيران، في إطار القانون الدولي، هو تعاون مشروع ومعقول ويجب احترامه، مشدداً على أن بلاده ستواصل العمل لحماية الحقوق الشرعية للشركات الصينية. الموقف الصيني المتصلّب في رفض الضغوط الأميركية، جددت أنقرة تأكيده من جانبها. وكرر وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو، انتقاد القرار وأسلوب العقوبات الأحادية، وقال إن القرار «سيؤثر حقاً بالبلدان كافة، فالأمر ليس بهذه السهولة، ونحن ندعم نظاماً دولياً والتعددية القائمة على قواعد القانون».
وفيما لا تزال كوريا الجنوبية تأمل منح واشنطن إعفاءً تحتاجه، وسترسل لهذا الغرض وفداً إلى واشنطن هذا الأسبوع للتفاوض، أبدت الهند التزامها العقوبات عبر إعلان وزير للنفط والغاز دارمندرا برادان، أن نيودلهي ستحصل على مزيد من الإمدادات من دول أخرى من كبار منتجي النفط لتعويض النفط الإيراني.
وفي ردود الفعل المتواصلة على القرار الأميركي، أسف الاتحاد الأوروبي لإعلان واشنطن، وقال على لسان المتحدثة باسم المفوضية الأوروبية مايا كوسيانسيتش: «نشعر بالحزن تجاه القرار الأميركي». وأكدت أن الاتحاد سيواصل التزام الاتفاق ما دامت إيران تتحمّل مسؤولياتها. موقف مشابه أعلنته باريس، حيث قالت متحدثة باسم الخارجية أن فرنسا تنوي مع شركائها الأوروبيين «مواصلة جهودها لتستفيد إيران من المنافع الاقتصادية (المرتبطة بالاتفاق النووي) ما دامت تفي بالتزاماتها النووية».
على ضفة المؤيدين للقرار، ظلت السعودية وحلفاؤها الخليجيون، مع إسرائيل، الجهات الوحيدة المرحبة بالموقف الأميركي. وبينما أصدرت البحرين بياناً مؤيداً، أعرب وزير الخارجية السعودي إبراهيم العساف دعم بلاده الكامل للخطوة «باعتبارها خطوة لازمة لحمل النظام الإيراني على وقف سياساته المزعزعة للاستقرار، ودعمه ورعايته للإرهاب حول العالم».