نقل دونالد ترامب، أمس، الصراع الأميركي مع إيران إلى مستوى غير مسبوق، أدخل معه الحرس الثوري، «العمود الفقري» للدولة الإيرانية، في تصنيف «المنظمات الإرهابية»، بعدما كان النظام الإيراني يُصنّف في التقليد الأميركي بأنه «راعٍ للإرهاب». واختارت الإدارة الأميركية مناسبة «يوم الحرس الثوري» («روز پاسدار‬‎» الواقع في الثالث من شهر شعبان)، لتمضي في قرار كان محطّ خلاف داخل المؤسسات في واشنطن. إدارة الرئيس دونالد ترامب قررت الأخذ بالإجراء، رغم المعارضة داخل البنتاغون، كما أكدت «وول ستريت جورنال» قبل يومين، بشأن جدوى الخطوة مقابل الأخطار التي يمكن أن تعرّض لها الجنود والمصالح الأميركية في المنطقة. خطوة ترامب المتأخرة أشهراً عن إعادة العقوبات والانسحاب من الاتفاق النووي وفرض 25 سلسلة من الحظر، لا تحتمل أن تكون عملية استهداف مباشر لقوات «حرس الثورة الإسلامية» الإيرانية، المنتشرة خارج حدود إيران، لا سيما في سوريا والعراق. ففضلاً عن المعادلات الأمنية في الإقليم، فإن الولايات المتحدة تدرج قادة «الحرس» ومؤسساته على لوائح الإرهاب أو العقوبات الاقتصادية، كقائد «قوة القدس» الجنرال قاسم سليماني، وشركات تُتّهم بارتباطها إدارياً بالقوة الإيرانية.ومع ذلك، فإن الإعلان ــ السابقة، لناحية تصنيف قوات نظامية (تعتمد الخدمة العسكرية) تابعة لدولة، على أنها «منظمة إرهابية أجنبية»، ينطوي على مستوى من المواجهة تريدها إدارة ترامب، ورسائل تؤكد أن هذه الإدارة ستأخذ بكل الوسائل التي يمكن أن تواجه بها الجمهورية الإسلامية. إضافة إلى الاستهداف «المعنوي» للقوات الإيرانية، بإمكان القرار أن يؤمن مظلة «قانونية» للسلطات الأميركية للضغط على الدول الصديقة لإيران، والتي تتعامل معها بشكل طبيعي، ويشمل هذا التعاون مؤسسة الحرس الثوري (أفغانستان، باكستان، تركيا، سوريا، العراق، قطر، سلطنة عمان،...)، أو «فضحه (الحرس) أمام شركائه الأجانب المحتملين» وفق المنسّق الأميركي من أجل «مكافحة الإرهاب» نثان سيلز. كذلك يصعّب القرار على الكيانات في الداخل الإيراني والخارج، والمرتبطة بعلاقة مع «الحرس»، ومنها الشركات التجارية، أن تقوم بمهامها بشكل مريح. لكن يبقى الأخطر أن الإجراء الأميركي، الذي يأتي على مسافة أسابيع من انتهاء الإعفاءات الممنوحة لثماني دول من العقوبات على النفط الإيراني، يضع طهران عرضة لاتهام أي كيانات أو مؤسسات تجارية أو مصرفية تقوم بالالتفاف على العقوبات وبيع النفط بأنها تابعة للحرس الثوري، علماً بأن الفصل بين القوات الإيرانية وباقي مؤسسات الدولة أمر معقد. وعقب البيان الصادر عن ترامب، أمس، حذّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو كل الشركات والمصارف حول العالم من أنها «أمام مسؤولية واضحة تقضي بالتأكّد من أن كل المؤسسات التي يتعاملون معها مالياً ليست على أي علاقة مادية بالحرس الثوري»، معتبراً أن نظام طهران «لا يدعم الإرهاب فحسب... بل هو نفسه متورط بأعمال إرهابية».
القرار يؤمن مظلة للسلطات الأميركية للضغط على أصدقاء إيران


المؤسسة الإيرانية «العقائدية» التي هي جزء من القوات المسلحة النظامية، باتت تشكل اليوم قوة داخلية وإقليمية وازنة، في جعبتها الترسانة الصاروخية الأضخم في المنطقة، ومعظمها من تصنيع مؤسسات تابعة للحرس الثوري ذاته. ولدى «الحرس» في الإقليم حلفاء يتوزعون من لبنان إلى غزة، مروراً بالعراق وسوريا، يشكّل لهم قاعدة دعم خلفية في الصراع مع إسرائيل والاحتلال الأميركي منذ عقود، بما يجعل هذه المؤسسة بمثابة «العمود الفقري» لنظام طهران ومشروعها الإقليمي. وهو ما يفسّر ردّ الفعل الغاضب إيرانياً من الخطوة الأميركية ودلالاتها، خصوصاً أنها تنتقل بالتعامل الأميركي من تصنيف إيران تقليدياً كدولة «راعية أو داعمة أو ممولة للإرهاب» إلى اعتبار جزء أساسي من هذه الدولة «منظمة إرهابية» منخرطة في «أعمال إرهابية». لكن القرار المتزامن مع تصاعد التجاذب بين الطرفين على الوجود العسكري والنفوذ في العراق وسوريا، ورغم تضمّنه تأكيداً لشمول «قوة القدس» بالإجراء، إلا أنه حرص على اعتبار الحرس الثوري ككل «إرهابياً» لا أذرعه الخارجية فقط.
وفي حين تلقّى حلفاء واشنطن في المنطقة الخبر بغبطة وترحاب، قابلت طهران القرار بقرارات مماثلة صدرت عن المجلس الأعلى للأمن القومي، صنّفت عبرها القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) ضمن «الجماعات الإرهابية»، والحكومة الأميركية بـ«الداعمة للإرهاب». ورحّبت البحرين التي سبق أن صنّفت مع السعودية الحرس الثوري «إرهابياً» بالقرار، إلى جانب حكومة عبد ربه منصور هادي الموجودة في الرياض. وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الاستفادة منه انتخابياً بواسطة الإيحاء بأنه صاحب المشروع والترحيب بـ«الاستجابة لطلبه» من جانب «صديقه العزيز» ترامب. ووضع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف القرار في إطار «الهدية المضللة» من ترامب لنتنياهو عشية الانتخابات الإسرائيلية و«مغامرة أخرى خطيرة للولايات المتحدة في المنطقة». أما دمشق، فكانت أول المندّدين بالخطوة الـ«لا مسؤولة»، عادّة إياها «وسام شرف» على صدر حلفائها.