لم تكن الحياة الشخصية لجو بايدن محطّ اهتمام الإعلام خلال تبوئه منصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما على مدى ثماني سنوات. ولكن، أخيراً، تغيّر الوضع مع بروز نيته الترشح للانتخابات الرئاسية عام 2020، حتى قبل إعلانه الرسمي لهذا المسعى، الأمر الذي سبقته الاتهامات بالتحرش من كل حدب وصوب، حتى أنها باتت الشغل الشاغل للعديد من وسائل الإعلام والمسؤولين في الحزبين الديموقراطي والجمهوري، ليتطرّق إليها الرئيس دونالد ترامب، أمس، ساخراً من بايدن، ومعتبراً أنه «قد جرى الاهتمام بنائب الرئيس السابق جيداً من قبل الاشتراكيين»، في إشارة ضمنية إلى أن موجة الانتقادات الجديدة للمرشح المحتمل للرئاسة، نتاج هجمات كان وراءها الجناح اليساري في حزبه.تصريح ترامب جاء بعدما أعلنت العديد من النساء تعرضهن للتحرش من قبل بايدن، أثناء وجوده في السلطة. ومن آخر الاتهامات في هذا المجال، تلك الصادرة عن امرأة من ولاية كونيتيكت، قالت إن نائب الرئيس السابق لمسها بنحو غير لائق خلال حملة سياسية لجمع التبرعات عام 2009، لتصبح بذلك ثاني امرأة، خلال ثلاثة أيام، تتهمه بالاتصال الجسدي غير المستحب. وتحدثت إيمي لابوس (43 عاماً)، لصحيفة «هارتفورد كورانت»، عمّا فعله بايدن خلال تجمع في بلدة غرينتش في كونيتيكت، وقالت: «لم تكن واقعة جنسية، ولكنه جذبني من رأسي، ووضع يده حول عنقي، وجذبني نحوه ليمسح أنفه في أنفي. عندما كان يجذبني نحوه اعتقدت أنه سيقبلني في الفم». كذلك، تطرّقت إلى الحادثة على حساب مجموعة «نساء كونيتيكت في السياسة» على موقع «فايسبوك»، رداً على ما روته المشرعة السابقة في ولاية نيفادا لوسي فلوريس، التي اتهمت بايدن، الأسبوع الماضي، بتقبيل رأسها من الخلف، خلال تجمّع عام 2014.
وقد تضرّ هذه المزاعم بمساعي بايدن المحتملة لخوض انتخابات الرئاسة عام 2020، ذلك أنّ من المتوقع أن يعلن مسعاه مرشّحاً عن الحزب الديموقراطي خلال الأسابيع المقبلة، علماً أنه الأوفر حظاً ـــ إلى الآن ـــ لنيل ترشيح الحزب وفق نتائج استطلاعات الرأي.
بايدن صاحب الحظ الأوفر لنيل ترشيح الحزب الديموقراطي في انتخابات 2020


ورداً على الاتهامات الموجهة إليه، أشار متحدث باسم بايدن إلى بيان أصدره نائب الرئيس الأميركي السابق يوم الأحد، قال فيه إنه لا يعتقد أنه «تصرَّف قط بشكل غير لائق» خلال السنوات الكثيرة التي قضاها في الحياة العامة وفي الحملة الانتخابية. وأضاف بايدن، في البيان: «خلال سنواتي الكثيرة في الحملة الانتخابية، وفي الحياة العامة، بادرت بعدد لا يحصى من المصافحات والمعانقات ومظاهر المحبة والدعم والمواساة. ولم يحدث قط ولا مرة واحدة أن تصرّفت بطريقة غير لائقة. وإذا كان هناك ما يشير إلى أنني فعلت فسأنصت بكل احترام. لكن هذه لم تكن نيّتي قط».
وبعيد نشر نائب الرئيس السابق بياناً يحاول فيه إخماد هذه العاصفة، اعتبرت لوسي فلوريس البالغة 39 عاماً، أن سلوكه يعني أن عليه عدم خوض السباق الرئاسي. وكانت فلوريس مرشحة لمنصب نائبة حاكم نيفادا عندما ظهر نائب الرئيس بايدن، حينها، في أحد مهرجاناتها الانتخابية ليقدم لها دعمه. وقالت رداً على بيانه إنها «سعيدة باستعداده للاستماع»، لكنها أضافت أن سلوكه يجب أن يؤدي إلى استبعاده عن السعي لنيل ترشيح الحزب الديموقراطي ضد رئيس واجه بدوره اتهامات عدة بالتحرش. وفي حديث لقناة «سي إن إن» الإخبارية، أشارت إلى أنه «بالنسبة إليّ، هذا دافع للإقصاء». وأضافت: «نعم، بالطبع أريده أن يغير سلوكه وأن يعترف بأن هذا السلوك خاطئ. وأريد أن يتحوّل هذا إلى نقاش أكبر حول غياب أي هيكلية للمحاسبة ضمن فضائنا السياسي، سواء بالنسبة إلى اللحظات التي تشعر فيها النساء بأن هناك سلوكاً خاطئاً تجاههن، أو لحظات أخرى أكثر خطورة».
بايدن أقرّ سابقاً بأن سلوكه «الحسي» قد يوقعه في ورطة، خصوصاً في حقبة «مي تو» (حملة أنا أيضاً ضد التحرش)، التي سبق أن أطاحت مستقبل العديد من السياسيين الأميركيين، ومنهم السيناتور الديموقراطي السابق آل فرانكين.
وفي هذا الإطار، قالت العضوان في مجلس الشيوخ، والمرشحتان الرئاسيتان، آمي كلوبوتشار وإليزابيث وارن، إنه يجب إعطاء اتهام فلوريس صدقية، بينما رأى مرشح ديموقراطي آخر، هو الحاكم السابق لكولورادو جون هيكينلوبير، أن ما كشف عنه كان «مقلقاً جداً». أما بيرني ساندرز، الذي يحتل المرتبة الثانية بعد بايدن في الاستطلاعات بين الديموقراطيين، فأجاب عندما سئل إن كان على نائب الرئيس السابق التنحي جانباً وعدم الترشح، بأن هذا القرار يعود إلى بايدن فقط. وقال لشبكة «سي بي أس» إنه «ليس متأكداً من أن حادثة واحدة فقط يجب أن تقصي أي شخص، لكن وجهة نظرها محقة تماماً. هذه قضية تخص فقط الديموقراطيين أو الجمهوريين، لكن يتعين على البلاد بأكملها أن تأخذها على محمل الجد».
ويُعرف بايدن بملامسة زوجات أعضاء مجلس الشيوخ وأمهاتهم وبناتهم بطريقة غريبة أثناء حفلات أداء اليمين، وكان قد تعرّض لانتقادات لتدليكه كتفَي زوجة وزير الدفاع الجديد آش كارتر عام 2015، الأمر الذي ردّت عليه هذه الأخيرة مؤكدة أن الأمر لم يكن فيه ما يثير الجدل، وأنه كان عبارة عن تصرف عادي بين أصدقاء مقربين.