هذه «الخلطة» تنطوي على تناقضات قد تتسبّب في تداعيها لاحقاً. فهي تضمّ قادة ومسؤولين سابقين في النقابات العمالية، إلى جانب رجال أعمال وتجار كبار ورأسماليين، يؤمنون بحلّ الدولتين ويعملون بجدّ على تحقيقه، في مقابل أولئك الذين يعارضون بالمطلق أي تنازل للفلسطينيين، وهم متنوعون ما بين علمانيين ومتدينين. أما الجامع المشترك الوحيد بين كل هؤلاء فهو الرغبة في إنهاء حكم نتنياهو، وهي التي تبقيهم متحدين. وكما بات مرجّحاً، فإن الكتلة الوسطية واليسارية والأحزاب العربية مجتمعة، التي تؤيد نظرياً حزب «أزرق أبيض»، غير قادرة على تأمين الأغلبية المطلوبة لنيل الثقة في الكنيست المقبل، وفق ما تشير إليه نتائج استطلاعات الرأي. معنى ذلك أن تكليف غانتس بتأليف الحكومة سيكون متعذراً، الأمر الذي يعني العودة إلى «الليكود»، صاحب المرتبة الثانية بحسب عدد المقاعد، لكن مع أغلبية شبه مضمونة لمعسكر اليمين والأحزاب الدينية التي أعلنت تأييدها من الآن لنتنياهو.
يواجه رئيس الحزب، والأول على لائحته، بني غانتس، موجة كشف حقائق فاضحة ومحرجة
مع ذلك، يرد في برنامج الحزب ما يوجب تغيير انطباعات قد تكون تكوّنت عنه لدى الرأي العام العربي، فحواها وجود اختلافات عن اليمين في الموقف من القضية الفلسطينية وغيرها. وهي اختلافات مفترضة يبدو أن البعض يراهن عليها، مثلما يتسرب عن السلطة الفلسطينية، في إمكانية استئناف العملية السياسية في حال فوز هذا الحزب في الانتخابات، في تغافل وإغفال واضحين لما يصدر عنه. رسمياً، ترد في برنامج الحزب، المنشور في مطلع آذار/ مارس الماضي، عدة محددات أبرزها: الحدود الأمنية الشرقية لدولة إسرائيل هي وادي الأردن وسيبقى تحت سيطرتها، تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية وتوسعة الكتل الاستيطانية، التشديد على الحفاظ على حرية عمل الجيش الإسرائيلي في كل أنحاء الضفة الغربية، بما يشمل المدن والقرى الفلسطينية، التأكيد أن لا انسحابات جديدة أحادية الجانب رغم الإصرار على تعميق الانفصال الحالي عن الفلسطينيين، تحقيق المؤتمر الإقليمي مع الدول العربية (التسوية والتطبيع مع الأنظمة العربية بلا ربط بالقضية الفلسطينية)، إضافة إلى العمل على تحقيق وتعزيز الأغلبية اليهودية في إسرائيل والهوية اليهودية لدولة إسرائيل. مؤسس الحزب، يائير لابيد، يؤكد أيضاً ثابتتين في برنامج «أزرق أبيض»: لا شيء اسمه حق عودة للفلسطينيين، ولا تقسيم للقدس «لأن الدول لا تعمد إلى تقسيم عواصمها».
في الموازاة، يواجه رئيس الحزب، والأول على لائحته، بني غانتس، موجة كشف حقائق فاضحة ومحرجة تهدف إلى تقويض صورته وملاءمته لمنصب رئيس حكومة إسرائيل. بدأ ذلك مع إعادة تظهير قضية تحرش جنسي ارتبطت به عندما كان في عمر 17 عاماً، وصولاً إلى الكشف عن اختراق الإيرانيين هاتفه الشخصي والاستيلاء على ما فيه من معلومات وصور ومقاطع فيديو، قيل إنها فاضحة جداً، وقد تكون مدعاة ابتزاز إيراني لاحق. مع ذلك، حتى لو افتُرض فوزه ومن ثم تكليفه بتأليف الحكومة ومن ثم تأليفه إياها، يبقى ثابتاً أن حزب «أزرق أبيض» يحمل في مكوّناته آليات التدمير الذاتي، نظراً إلى حجم التناقض البنيوي فيه، والذي يمكن أن ينفجر أمام الاستحقاقات المختلفة المتوقع أن تواجهها الحكومة المقبلة، إن في الداخل أو في الإقليم، أو في ما يرتبط كذلك بالموقف من المسيرة السياسية مع الفلسطينيين و«صفقة القرن»، التي ترفضها مكونات في «أزرق أبيض»، رغم ما فيها من قضم، بل وإنهاء للقضية الفلسطينية.