شهدت الشوارع الفرنسية، أول من أمس، تحرّكاً مزدوجاً لـ«السترات الصفر» ومناهضي التغير المناخي، احتجاجاً على سياسات إيمانويل ماكرون المناخية والاجتماعية والاقتصادية. وعلى الرغم من التركيز الإعلامي على العنف الذي اتّسم به بعض التحركات، إلا أن ذلك لا يلغي واقع أن «السترات الصفر» استعادت زخمها، وسجّلت تزايداً في أعداد المشاركين، متوعّدة باستقطاب المزيد من المحتجين في التحركات اللاحقة.عادت «السترات الصفر» إلى الشارع، أول من أمس، بالزخم الذي كانت قد حملته خلال الأشهر السابقة، مُعلنة بذلك عدم الرضوخ لتجاهل الحكومة الفرنسية لمطالبها ولاحتجاجها على سياساتها الاجتماعية، بعدما كانت تحركاتها قد شهدت انخفاضاً في وتيرتها خلال الأسابيع القليلة الماضية، الأمر الذي عدّته وسائل إعلام فرنسية «هبوطاً في شعبية السترات الصفر واتجاهاً إلى زوالها». إلا أن تحرك السبت عاد ليرسم المشهد، وليضع الرئيس إيمانويل ماكرون أمام واقع كان اعتقد أنه تخطّاه، خصوصاً أن التحرك الأخير شهد موجة جديدة من أعمال العنف، تعبيراً عن مناهضة إصلاحاته الاقتصادية المؤيدة لقطاع الأعمال. وقد تزامنت هذه التحركات مع تظاهرات كبيرة للآلاف من الناشطين ضد سياسة باريس المرتبطة بـ«التغير المناخي»، ما دفع ماكرون إلى قطع رحلة تزلج في جبال البرينيه، والعودة إلى القصر الرئاسي. اعتبر الرئيس أن المتظاهرين يسعون إلى «تدمير الجمهورية» الفرنسية، وكتب على صفحته على موقع «تويتر» أن «ما حدث اليوم في جادة الشانزيليزيه لم يعد يُعتبر مظهراً من التعبير عن الرأي. هؤلاء أشخاص يريدون تدمير الجمهورية. كل من شارك هناك».
إلا أن كلام ماكرون لم يلغِ حقيقة أن «السترات الصفر» استعادت، في أسبوعها الـ18، قوتها، في ظل ارتفاع عدد المشاركين فيها عمّا كان عليه في الأسبوع السابق. وقد أشارت تقديرات وزارة الداخلية إلى مشاركة عشرة آلاف شخص في الاحتجاج في باريس، مقارنة بمشاركة ثلاثة آلاف السبت الماضي. وفي مناطق أخرى من فرنسا، قُدّر عدد المحتجين بنحو 32300 محتج مقارنة بنحو 28600 في الأسبوع الماضي، في حين تعهّد المحتجون بجذب أعداد أكبر من المتظاهرين بمناسبة دخول الاحتجاجات شهرها الرابع.
رفع المحتجون ضد التغيّر المناخي لافتات هاجموا فيها سياسات ماكرون


كذلك، أشار وزير الداخلية، كريستوف كاستانير، إلى أنه «على الرغم من أن الاحتجاجات تعتبر صغيرة نسبياً، فإنه كان هناك أكثر من 1500 شخص يتّسمون بالعنف الشديد يتجوّلون بغرض إثارة الشغب والاضطرابات». ولفت إلى أن أكثر من 1400 من أفراد الشرطة نشروا لمواجهة أعمال العنف.
في سياق متصل، قدّرت وزارة الداخلية عدد المشاركين في مسيرة أخرى منفصلة مناهضة للتغير المناخي بستة وثلاثين ألفاً في باريس، و145 ألف شخص في تظاهرات في كلّ أنحاء فرنسا. وقد تظاهر عشرات آلاف الاشخاص في أنحاء فرنسا، تحت شعار «نهاية العالم ونهاية الشهر، معركة واحدة»، في إطار ما أطلق عليه «مسيرة القرن»، للتنديد بـ«عدم تحرك» الحكومة الفرنسية لمواجهة التغيرات المناخية، وأيضاً لدعم المطالب الاجتماعية لحركات «السترات الصفر».
ولكن، بحسب تعداد لائتلاف وسائل إعلام، فقد شارك في التظاهرة في باريس 45 ألف شخص، بينما أفاد منظمو التظاهرة بأنهم كانوا 107 آلاف. وأعلن منظّمو التظاهرة، في بيان، أن «أكثر من 350 ألف شخص شاركوا في مسيرات نُظّمت في 220 مدينة في مختلف أنحاء فرنسا، للتنديد بعدم تحرك الحكومة الفرنسية للتصدي لأزمة المناخ، وتعنّتها إزاء الأزمة الاجتماعية».
وفي نهار مشمس في باريس، سارت حشود كبيرة من ساحة الأوبرا إلى ساحة الجمهورية. وشهدت التظاهرة مشاركة كثيفة من الشباب في أجواء احتفالية، حيث رفع المحتجون لافتات كُتب عليها: «كفى لغواً لا بدّ من أفعال في مجال المناخ»، و«نهاية العالم ونهاية الشهر، المجرمون أنفسهم والمعركة نفسها»، وانتقدت لافتات أخرى الرئيس إيمانويل ماكرون، مطالبة الحكومة الفرنسية بالتصدي للتغير المناخي.
وفي كانون الأول/ ديسمبر 2015، وقّعت 190 دولة على اتفاق المناخ المبرم في باريس، متعهّدة بحصر الاحترار المناخي بأقلّ من درجتين مئويتين نسبة إلى مستويات العصر ما قبل الصناعي. لكن بعد أشهر من وصوله إلى البيت الأبيض، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب انسحاب الولايات المتحدة من اتفاق باريس. ثم عاد، أمس، ليوجّه سهامه إلى فرنسا، موحياً بأن سياستها حيال المناخ مسؤولة عمّا يحصل. وسأل ترامب على «تويتر»: «ماذا حقق اتفاق باريس حول المناخ لفرنسا؟». وكتب مجيباً عن سؤاله: «بعد 18 أسبوعاً من أعمال الشغب التي يقوم بها المحتجون من السترات الصفر، لا أعتقد أنه حقق أموراً جيدة! في الأثناء، ارتقت الولايات المتحدة إلى رأس جميع القوائم حول البيئة».