«قمة الاعتداءات الجنسية» التي ترأسها البابا فرنسيس نهاية الشهر الفائت، هي تكريس رسمي لقرار المواجهة التي يخوضها الفاتيكان ضد الانهيار الأخلاقي الذي توّجته أخيراً إدانة وزير الاقتصاد في الفاتيكان، الكاردينال الأسترالي جورج بيل، بانتهاكات جنسية. لم يعد سراً أن أعلى المرجعيات الكاثوليكية في العالم تواجه أكبر أزمة في تاريخها الحديث، بسبب مسلسل الفضائح المتواصل منذ سنوات، حول الانتهاكات الجنسية ضد الأطفال والمراهقين. كما تشهد المؤسسة نقاشاً هو الأول من نوعه داخلها، حول المثلية الجنسية التي تكاثرت التقارير والكتب والشهادات التي تكشف انتشارها في صفوف رجال الدين، من أعلى المراتب الكنسية إلى الكهنة.الصحوة التي تشهدها الكنيسة الكاثوليكية، وقد ازدادت تفاعلاً منذ أشهر، قد تكون الحدث الأبرز في تاريخها المعاصر. وقد أخذت تتبلور حركة إصلاحية داخل الكنيسة، هدفها معالجة أخطر ملف تواجهه منذ عقود، أي الاعتداءات الجنسية المزمنة على الأطفال والمراهقين من قِبَل كهنة وأساقفة، واستغلال القاصرين جنسياً، إضافة إلى ظاهرة التعدي على الراهبات، وإجبارهن على الإجهاض. ومن جهة أخرى، فُتح ملف المثلية الجنسية داخل الفاتيكان، بصورة خاصة، وفي مختلف الأبرشيات حول العالم، طارحاً أسئلة جديدة حول العفة والحقوق الجنسية. والخطوة الإصلاحية التي بدأت دوائر الفاتيكان تكسر الصمت حولها تُعدّ الأهم، لأنها تمثل في عمقها التصادم الحقيقي بين التعاليم الروحية للكنيسة التي تعطي الإنسان الأولوية، والهيكلية الكنسية الإدارية التي تعلي شأن رجال الكنيسة، وتعظّم دورهم، على حساب الفئات الأضعف من أطفال ونساء. ولأنها قضية إنسانية، لا صلة لها بالتبشير وتفسير العقيدة وتوسع النفوذ الكنسي الكاثوليكي، ولا بحوار الحضارات ومحاربة الإرث الشيوعي والانفتاح على العالم الإسلامي والكنائس الشقيقة، اتخذت خطوة البابا فرنسيس، بالدعوة إلى قمة استثنائية موسعة حول حماية القاصرين، دلالات تحتاج إلى وقت لتبيان حقيقتها وما ستؤول إليه، لا سيما أنها تتزامن مع أول إجراءات جدية لمحاكمة مسؤولين نافذين في الكنيسة متهَمين بالتحرش الجنسي، من دون أن تتبلور بعد ماهية الإجراءات الكنسية الحاسمة في حقهم، بعدما تدخل القضاء المدني في ألمانيا وأستراليا والولايات المتحدة وفرنسا لمحاكمة مرتكبين ومتسترين.
لكن هذه الخطوة الأولية تحتاج إلى مسار طويل، يبدأ بضرورة كشف الأسرار المحيطة بالقضايا الجنسية المغلقة، ومقاربة هذا الملف كنسياً على مستوى العالم، وليس مجرد التعامل معه كقضية آنية، وإسكات وسائل الإعلام من خلال تقديم عيّنات من مئات المعتدين، وتفادي الذهاب بعيداً في معالجة أصول المشكلة المتفشية في أديرة وأبرشيات في كل القارات، مروراً بمدارس التنشئة والإكليريكيات، وصولاً إلى الفاتيكان نفسه. والقضية أيضاً متشعبة، إذ تفتح قضايا أخرى، شائكة بدورها، غير مرتبطة حكماً، كما يوحي بعضهم، بجرائم الاعتداء على قاصرين، مثل انتشار المثلية الجنسية في الكنيسة، والتي تشمل نسبة لا بأس بها من الكهنة والأساقفة، وهو ملف يأخذ حيزاً كبيراً من النقاش، تضاف إليه مسألة عزوبية رجال الدين.
لا بد من التوقف، أولاً، عند حدث المكاشفة في حد ذاته، وقد فرضه البابا فرنسيس على الأساقفة كأمر واقع. فعلى رغم سنوات التعتيم، بادرت الكنيسة الكاثوليكية، ولو متأخرة بفعل هذه الأزمة، إلى عملية مواجهة مع النفس، علماً أن التركيز ينصبّ على الكنيسة الكاثوليكية فحسب، من دون الالتفات إلى كنائس أخرى، كما نسمع ونقرأ في الإعلام الغربي. إذ لا يُعقل التركيز على ارتكابات تحصل فقط في الكنيسة الكاثوليكية، في حين أن هناك إحصاءات علمية دقيقة عن جرائم مماثلة، تحصل داخل مؤسسات دينية تابعة لغير هذه الكنيسة، لكن هذه الأخيرة يتم تجاهلها، علماً أن توسع الكنيسة الكاثوليكية من خلال مؤسساتها التربوية والصحية والدينية وأديرتها في أغلب دول العالم، وانتشار عشرات الرهبانيات والإرساليات، بخلاف كنائس أخرى، ساهم أيضاً في تسليط الضوء على حجم الجرائم المرتكبة.
لولا حملة الضغط الإعلامية لبقيت الانتهاكات مدفونة داخل جدران الفاتيكان


وعلينا، بالدرجة الثانية، أن نعترف بأهمية الدور الذي لعبته وسائل الإعلام الدولية الجدية، على رغم اتهامات بخلفيات سياسية ودينية وراءها، في تسليط الضوء على أهوال هذه القضية. فقد رفضت وسائل إعلام معروفة الرضوخ لضغوط الكنيسة الكاثوليكية في الفاتيكان، أو في الدول الأخرى حيث تتمتع بنفوذ سياسي وقضائي قوي، وتمسّكت بنشر شهادات الضحايا. وهؤلاء هم اليوم العصب الحقيقي لكل ما يذهب الفاتيكان اليوم إلى كشفه، بعد سنوات طويلة من التستر خلف جدران مغلقة.
وفي الوقت الذي يدفع الفاتيكان فيه هذه الملفات إلى النور، يصدر كتاب «سودوما» (Sodoma) للكاتب فريدريك مارتيل، حول المثلية الجنسية في الفاتيكان. وقد بدأت أصوات كنسية تندد به وتعتبره مجرد مزاعم وتحليلات. يضمّ الكتاب شهادات وتحقيقات حول الكهنة والأساقفة المثليين، وارتفاع عددهم، وتسلّمهم مراكز أساسية، ووجود شبكات دعارة في تصرفهم. ويركز على الحياة السرية لهؤلاء الكهنة والأساقفة، والتكتم حولها ولو كانت معروفة داخل الفاتيكان. ويعزو التستر على جزء من فضائح الاعتداءات الجنسية إلى إرادة حماية أفراد بارزين من الإكليروس، وتجنيبهم مغبة الإفصاح عن هويتهم الجنسية. كما يستعرض الكتاب كيفية معالجة هذه الأزمة في ظلّ ثلاثة بابوات هم: يوحنا بولس الثاني، وبنديكتوس السادس عشر، وفرنسيس.
وكتاب فردريك مارتيل، الموزع بين تحقيقات في أوروبا وأميركا اللاتينية، ليس الأول من نوعه. فقد سبقته كتب عدة، أبرزها كتاب «جنس في الفاتيكان» (2011) للصحافي الإيطالي كاوميلو أباتيه، وفيه أيضاً تحقيقات مفصلة عن الاعتداءات الجنسية على راهبات، والإجهاض، وأولاد الكهنة الذين يعيشون حياة مزدوجة. ومن جهة ثانية، كثرت التحقيقات الصحافية المكتوبة والمتلفزة على مدى سنوات، التي تسلط الضوء على كهنة وأساقفة ظلوا يمارسون عملهم كمرشدين مع الأطفال، سواء في الأبرشيات نفسها أو في أبرشيات أخرى، على رغم كونهم متهمين (أو مدانين) بالاعتداءات الجنسية. هكذا نراهم يكررون اعتداءاتهم.
ولا بد من الإشارة إلى الأفلام التي تناولت جرائم الاعتداء الجنسي داخل الكنيسة، وتضمنت شهادات الضحايا حول طبيعة الاعتداءات التي تعرضوا لها على يد كهنة وأساقفة نافذين وغير نافذين. نشير إلى فيلم فرانسوا أوزون الجديد، «بحمد الله»، الذي أثار جدلاً واسعاً خلال الأسبوعين الماضيين، وانتصر قضائياً على محاولات منعه من العرض. وقبله، في العام 2015، أخرج الأميركي توم مكارثي فيلمه «Spotlight»، حول قضية شهيرة في الولايات المتحدة، إذ كشفت صحيفة «بوسطن غلوب» عن سلسلة اعتداءات ارتكبها الكهنة بحق أطفال، والمحاولات التي قام بها كرادلة ومسؤولون لمحاولة التغطية على تلك الجرائم، منذ السبعينيات وحتى العام 2002.
إن دور وسائل الإعلام والكتب والأفلام التي عُنيت بهذا الموضوع الحساس يأخذ أهمية قصوى في مواجهة الصمت المدوي للإكليروس، وحتى العلمانيين الذين يرضخون لضغط السلطة الدينية. صحيح أن الفاتيكان كان دائماً محط الأنظار بفعل عدد من القضايا والاتهامات التي تحيط برجاله، مثل ملفات المصارف والأموال، وارتباط نافذين فيه بالمافيا الإيطالية، ومحاربة الكنائس الأخرى، والوقوف إلى جانب الديكتاتوريات والنازية، لكن مشكلة التحرش الجنسي، وعمرها سنوات طويلة، لم تُطرح جدياً إلا في الآونة الأخيرة، وصولاً إلى «قمة الاعتداءات الجنسية» التي ترأسها البابا فرنسيس؛ وذلك نظراً لحساسيتها وسكوت العدد الأكبر من الضحايا. ولولا حملة الضغط الإعلامية الدولية لبقيت مدفونة داخل جدران الفاتيكان والكنائس والأديرة، تماماً كما حصل في إيرلندا أوائل القرن الماضي، مع قضية الراهبات اللواتي كنّ يسلبن أولاد الأمهات العازبات لتسويقهم خارج البلاد، والاعتداءات التي كانت تحصل أيضاً في أماكن التبشير في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية. والأهم، لولا الضغط الدولي، لكان القضاء المدني لا يزال خاضعاً لتأثير سلطة الكنيسة والنافذين فيها، علماً أن الأمور لا تزال في بدايتها، خصوصاً في بلاد تدين فيها الطبقة السياسية بالولاء للكنيسة.

الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى الداعين إلى الإصلاح الفعلي، درس أسباب المشكلات المتفاقمة(أ ف ب )

ونصل هنا إلى خطوات الفاتيكان الأخيرة التي تكتسي دلالات رمزية مهمة. فمجرد حصول قمة استثنائية عن الاعتداءات والشهادات المتلفزة التي عرضت فيها حدث مهم. لكن القمة التي رأسها البابا فرنسيس، ودعا فيها إلى معركة شاملة ومفتوحة مع «الذئاب المفترسة»، تحتاج إلى برنامج عمل واضح وشفاف. فخطاب البابا نفسه لم يلقَ إجماعاً من منظمات معنية بحماية الضحايا، ومن مؤسسات قريبة من الكنيسة، وحتى وسائل إعلام كاثوليكية. رأت فيه هذه المنظمات كلاماً عاماً ومكرراً، وهي تطالب الفاتيكان برفع الغطاء عن المرتكبين، وتسهيل عمل القضاء المدني، وتقديم هؤلاء إلى العدالة، خصوصاً أن كثراً من المعروفين بانتهاكاتهم لا يزالون في مراكزهم، أو يوجد فيها كرادلة ومطارنة يتسترون على أفعال كهنة وزملاء لهم.
لكن الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى الداعين إلى الإصلاح الفعلي، ليس فقط محاكمة المرتكبين، والاعتراف العلني، والاعتذار عما حصل، ومعالجة الضحايا، والاعتراف بآلامهم النفسية والجسدية، إنما أيضاً درس أسباب المشكلات المتفاقمة، على مستويين: أولاً الاعتراف بمشكلة المثلية، ليس من الناحية النفسية والطبية بطبيعة الحال، بل بالسعي لتبيان الأسباب الحقيقية لارتفاع عدد المثليين في الدوائر الفاتيكانية والأبرشيات، ودراسة مدى ارتباطها بالاعتداءات على الأطفال. وثانياً كيفية معالجة أسباب التغطية على الارتكابات الجنسية، سواء كان الاعتداء على الأطفال أو النساء من راهبات وعلمانيات.
في الجزء الأول من «Sodoma»، يتركز الكلام على الاعتراف الكنسي أخيراً بوجود المثلية كأمر واقع. ويلقي الضوء على ارتفاع أعداد المثليين وتسترهم والعلاقات الجنسية بين الرؤساء والمرؤوسين، لا سيما في مرحلة سابقة شهدت لجوء شبان مثليين إلى الكهنوت كمجال رحب لتقدمهم في المجتمع الإيطالي، وتدريجاً في مجتمعات أخرى، حين لم يكن في الإمكان إظهار ميولهم الجنسية، كما هي الحال اليوم، لا سيما في أوروبا والولايات المتحدة. ويطرح أيضاً أسئلة يتداولها معنيون علمانيون في الكنيسة، ومسؤولون كنسيون، حول معنى البتولية والعفة التي ينذرها الكهنة. فانتشار المثلية في الوسط الكنسي يثير إشكالات عدة. وليست الغاية «معالجة المثليين»، أو الحكم عليهم كتوجه جنسي، إنما معالجة توجه الكنيسة ورؤيتها لهذا الواقع، وقبولها العلني لا السري ـــ كما هي الحال اليوم ـــ بوجود كهنة مثليين… والقبول بوجود حياة جنسية للكهنة سواء مع الجنس نفسه أو مع الجنس الآخر.
يجب أن تتصدّى الكنيسة فعلياً لهذه الأزمة بما يبقي على نزاهتها


والكتاب أيضاً يلفت إلى واقع السلوك الجنسي في وسط ذكوري حصراً، خصوصاً في الإكليريكيات ومدارس التنشئة، حيث يعيش مئات المراهقين والشباب سويةً، معزولين عن المحيط النسائي بالمطلق. وفي العام الماضي، عقد «سينودوس الشباب» في الفاتيكان. ومن بين المواضيع التي طرحت «عزوبية الكهنة»، وسط تزايد الدعوات إلى البحث المعمق حولها. إذ تختلف الآراء بين قائل بكون العزوبية تقليداً يعود فقط إلى القرن الحادي عشر ويمكن تغييره، وبين قائل إنه عقيدة يفترض الاستمرار بتطبيقها، لأنها تساعد الكاهن على أن يكرس نفسه أكثر للكنيسة وللمسيح. اللافت أن مسؤولين رفيعي المستوى في الفاتيكان أيدوا الموقف حول تغيير هذا التقليد. وكذلك، فإن البطريرك الماروني، الكاردينال بشارة الراعي، أدلى بسلسلة أحاديث لصحف فرنسية حينذاك، تدعم التوجه الشرقي الذي يسمح بزواج الكهنة، خلافاً للكنيسة الغربية، متحدثاً عن حسناته، لا سيما بالنسبة إلى كاهن الرعية، وحسنات هذا الزواج، لا سيما لجهة إبقاء الكاهن في أجواء عائلية وعاطفية مريحة.
هذا النقاش يتجدد اليوم في موازاة فتح ملف المثلية الجنسية، وهو أمر يحتاج أولاً إلى رؤية الفاتيكان للأمر الواقع، ووضع حد لازدواجية المعايير في التعامل مع الحقائق، كما حصل مثلاً حين رفض الفاتيكان تعيين سفير فرنسي مثلي لديه، على رغم أن المرشح نفسه يشغل منصباً ديبلوماسياً في سفارة بلاده منذ سنوات من دون أي اعتراض. والنقاش يأخذ مداه في التمييز بين الاعتداءات كفعل إجرامي، وبين الحالة المثلية بذاتها التي يعيشها الكاهن أو الأسقف كخيار جنسي خاص، من دون أي أفعال جرمية.
الجزء الثاني يتعلق بإدارة أزمة الاعتداءات، في ظل إخفاء الملفات وإتلافها، وتعمّد إغفال الوقائع والتستر على المتورطين، سواءً في اعتداءات ضد الأطفال أو النساء. فما جرى حتى الآن لا يصل إلى مستوى كرة الثلج، لأن البابا نفسه أعطى توصيفات من دون معالجة جذرية. ولم يوضح الحبر الأعظم أسباب التغاضي عن المعتدين طوال سنوات، ومن يتحمل المسؤولية الفعلية عن الجرائم على رغم انكشافها تباعاً. ولم يتناول حالة الصمت الطويلة التي منحت المعتدين نفوذاً أكبر على ضحاياهم، في عهد ثلاثة بابوات متعاقبين في العقود الأخيرة. وقد تكون القضية سابقة في ظلّ بابوات آخرين، لأن «النظام» هو نفسه الذي سمح بالتستر على الجرائم، على رغم كل ما أثير حوله كتباً وإعلاماً وأفلاماً، وعلى رغم التحرك القضائي وتسمية الأسماء المعروفة في الوسط الكنسي بتورطها. أضف إلى ذلك وجود دوائر فاتيكانية لا تخضع لأي قضاء أو أي محاسبة، من ألمانيا حيث نشرت دراسة في العام 2018 أشرف عليها مؤتمر الأساقفة الألمان، تحدثت عن اعتداء على 3677 طفلاً خلال سبعين عاماً على يد 1670 كاهناً، إلى فرنسا حيث يحاكم أسقف ليون فيليب باباران، بتهمة التستر على جرائم مماثلة، مروراً بدول أميركا اللاتينية وبالولايات المتحدة مع استقالتين متتاليتين لأسقفَي واشنطن دونالد ويرل، وسلفه ثيودور ماكاريك، بتهم التحرش والتستر أيضاً. والقضية لا تقتصر فقط على اعتداءات على الأطفال، إذ إن ما حدث مع راهبات طوال سنوات خدمتهن في أبرشيات كان أيضاً معروفاً في الهند وأفريقيا والتشيلي. لكن الفاتيكان اعتمد دوماً سياسة السرية في معالجة هذه المشكلات والتعمية عليها، حتى أصبحت سلوكاً «طبيعياً»، وتقليداً لا يخرقه حتى البابوات الأكثر تقدماً.
يبقى أمر أخير، في فيلم «شك»، حول حقيقة اعتداء كاهن على أحد الأطفال، تُطرح إشكالية الشك حول الاتهامات الجنسية. وهو أمر مبرر وضروري، لأن فتح ملف الانتهاكات لا يمكن أن يطاول جميع الكهنة والأساقفة من دون استثناء، كما لا يمكن أن يشمل كل المؤسسات الكنسية. وقد سبق أن شهدنا في لبنان وغيره من الدول افتراءات من هذا النوع على كهنة، بعدما أصبحت جاهزة وجذابة إعلامياً. وما حصل في بولونيا قبل افتتاح القمة أحد الأمثلة: لقد أزال معارضون للكنيسة المحافظة تمثال المرشد الروحي لحركة التضامن والذي توفي عام 2010، بعد اتهامات طاولته بالاعتداءات على شبان وشابات، ثم أعيد التمثال إلى مكانه لأن الاتهامات بحسب المدافعين عنه، سببها اليسار المعارض لحضور الكنيسة وتأثيرها السياسي. وهنا أهمية ابتعاد القضاء عن سلطة الكنيسة والإعلام على السواء. كما يجب أن تتصدّى الكنيسة فعلياً في الفاتيكان والكنائس كافة، ومنها لبنان، لهذه الأزمة، ما يبقي على نزاهتها في عدم مساواة الأبرياء من الكهنة مع المجرمين، وفي الحفاظ على الإرث الحضاري والديني… فلا يُلطّخ الشرفاء بسبب ارتكابات جرمية وسياسة الصمت غير المجدية.